Sunday, October 9, 2016

العرجة


لو بحثت في عقلي وفكري عن معنى التربية لوجدت صورة الطفل الأعرج وأب يصلح له عرجته، وكأي أب أحب أن أرى أولادي عدّائين في هذا المجتمع، وتقوية أقدامهم السليمة لن تجعلهم عدائين، ولذا فإصلاح العرجة هو ما يشغل عقلي وفكري، فإيمانهم بالله الصغير لا يزال يحبو، وعاداتهم الغذائية تعرج، وعالم أفكارهم ومشاعرهم يعرجون، أتابع نقلات خطواتهم وكثيراً ما أفحص عرجتهم بسؤال غير متوقّع، بني: هل تنظر للطعام متعة أم أنّه طاقة؟ فإن كان طاقة لم لا تتوقف بعد التزود بالطاقة؟
فهم تصرّفات أطفالنا لإصلاح عرجتهم هي حرفة يجب اتقانها قبل أن نحسنها، هي حرفة تشابه من يقوم توصيل الجرائد للمنازل في البلاد الاسكندنافية الباردة على دراجة هوائية، يجب أن ننزل من دراجتنا لنصل إلى باب منازل أطفالنا، نحتاج أن نتعلّم عن أطفالنا، وأسبابهم ودوافعهم ونفهم كيف تعمل عقولهم الصغيرة، وبعد ذلك سنحتاج أن نعلّمهم تحت ظروف الحياة اليومية «القارسة» ونتأكد أنهم يقرأون ما نقوم بتوصيله لهم من معلومات قراءة سليمة.
كثيراً ما أكتشف أنني أريدهم أن يتوقفوا عن عادة سيئة وأنا لا أعلم طريقة تكوين العادات في عقولهم، ولذا أتوقّف عن تعليمهم، وأتعلّم طريقة تكوين العادات وطريقة كسر تلك العادات، فتعلّمي هو وسيلتي أو دراجتي التي تنقلني لأبواب منازلهم، أو بمعنى أصح أن أصلح عرجتي قبل أن أبدأ بعرجتهم.
تربية أطفالي أصبحت أمراً معقداً لا يمكن استبدالها بنصائح عامّة، أو حكم منقولة، أو ابتعاد عن متابعة، والبحث عن مبررات مقنعة لأفعالي السيئة، ومن ثمّ التخلّي عن مهمّتي وأمنيتي في الحياة المتمثلة في أن أكون حلقة جيدة في سلاسل البشر الجيدين.
لا أمانع أن يتابع أولادي قنوات التسلية، واستهبالات بعض نجوم شبكات التواصل الاجتماعي، لكنني أعترض كثيراً على أن يكون ذلك الترفيه هو الأمر الوحيد الذي يقضون فيه أوقاتهم، أقول لهم ونحن على مائدة الطعام: لو أخرجنا عالماً شغوفاً من علماء الفيزياء أو الكيمياء توفّي قبل قرون، وأريناه كيف تعمل الشبكة العنكبوتية، فلا أظنّه سيتحدّث معنا بعد أن يتعّلم كيف يبحر فيها، ولو أخطأنا وأعطيناه رمز دخول مكتبة غوغل Scholar – السكولار التي تحوي الأبحاث والأوراق والكتب العلمية، فلربّما قد نكون جنينا على حياته المتبقية، فاحتمال توقّفه عن الطعام وعن الشراب هو احتمال كبير بسبب شدة تعطشه للعلم والمعرفة، فكلّما دعوناه الى الطعام فسيستذكر رحلاته وتعرّضه للسرقة والسلب والنهب في الطريق ليجلس إلى من يملك المعلومة، ويتذكّر رحلاته وشقاءه في الحصول على المعلومة، وها هي العلوم قد حضرت وجلست بين يديه، فهل يتركها ويذهب للطعام؟
ملاحقاتي «الناعمة» لعرجتهم لا تتوقّف، فعقولهم تتبع القيمة الأعلى، وأنا أقلل من قيمة التفاهات التي لن تنفعهم، هذه تجربتي ومعاناتي الشخصية أنقلها على صفحات الجرائد، ليست نوعاً من الشكوى، وأعلم يقيناً أن جزاء الوالدين هو الجنّة، فلا أحد يشكر والداً على تربية ولده، لكنّى أخاطب مجتمعي الذي قد رعاني صغيرا وأتساءل عن صغاره، من يصلح لهم عرجتهم؟
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
boSlAeh@

Friday, September 30, 2016

هامشية الغرب





أسلمت ظهري للمعالج ليدلكني وليخلصني من آلامي المبرحة، وذلك في آخر ايام اجازتي في الريف الانكليزي، صحيح انها اجازتي التي يفترض فيها التوقف عن الكتابة، إلا انني كنت فيها اعمل بمعدل 8ــ10 ساعات لتنقيح النسخة الانكليزية من كتابي، ومراجعتها ومن ثم التعاقد على نشرها وتوفيرها للجمهور الانكليزي.
استقبلني المعالج (جريج) عند باب النادي الصحي وحدثني وكأنه يعرفني منذ سنين، حدثته عن بلدي، وعن اسباب آلام ظهري وعن كتابي الذي نشرته في اليوم السابق لزيارته، سألني عن فكرة الكتاب، فأخبرته انني كتبت للبشر «Human Manual» يوضح لنا كيف نستخدم اجسادنا وعقولنا.
كان شغوفاً جداً بالمعرفة، فسألني: ما الذي تقصده، فأجبته جاداً وممازحاً‍: كتبته للبشر لأني اجد اغلبهم «لا يحسن الحياة».. قهقه جريج عاليا وقال: انا موافق تماماً، وبعدها تتابعت اسئلته عن الكتاب، اخبرته اننا سنعيش افضل ان رأينا أبعاد حياتنا الخمس (اجسادنا، اموالنا، علاقاتنا الاجتماعية، عالمنا الداخلي وارواحنا)، واخبرته ان الكتاب يقدم عدسات تمكّننا من رؤية تلك الابعاد، ويقترح ادوات تمكننا من جعل تلك الابعاد الخمسة لحياتنا في توازن، ولساعة الكاملة وهو يدلك كتفي وظهري وانا ادلك له اذنه.
نظام حياتنا الحديث حوّلنا من بشر، الى آلات، بعضنا يبحث عن المال والبعض يبحث عن المتعة، لذا تساءلت في بداية كتابي «التوازنات الخمسة»: هل المتعة الدائمة موجودة؟ وقلت ان المتعة بتصميمها المتقن هي جزء إتقان هذا الكون، فإن اردنا زيادتها بطعام مرضنا، وان اردنا زيادتها بشرب الخمر تنازلنا عن عقولنا التي تجعلنا بشراً، ونعود لنتساوى مع البهائم، ولأن المتعة تسيطر على %95 في المئة من تصرفاتنا المباشرة وغير المباشرة حسب دراسة اطلعت عليها، فهنا اسأل هل: تستحق دقائق المتعة الزائلة ان تكون هدفا لنا يهيمن على اغلب تصرفاتنا؟
كنت اجلس غالبا في ذات الطاولة اكتب، ادردش مع من يخدمني وألاطفهم، وحين يسألونني عن ماذا اكتب؟ كانت تلك هي دردشاتي، وفي اليوم التالي اجدهم يعاودون الحديث مع مزيد من الاسئلة، فأترك الكتابة واجيب عن اسئ‍لتهم، ارحم هامشيتهم وبعدهم عن معاني الحياة العميقة، فالحياة الغربية، تجعلهم يكدحون طوال الاسبوع، وحين تأتي عطلة نهاية الاسبوع يفعلون ما يشاؤون، يرقصون ويسهرون ولكنها لم تمنحهم معنى واحدا لوجودهم احياء.
آخر يوم لي في هذا الريف، أتت زوجتي متأخرة تشاركني وجبة الافطار، فوجدت العاملة الشقراء، التي تأتيني بالقهوة عادة، تقف تحمل الاطباق الثقيلة بجانب طاولتي تناقشني، حاولت إنهاء الحدث كي لا تتضايق زوجتي، واخبرتها ان الاطباق ثقيلة، وان حديثنا موجود في الكتاب، لكنها اعادت وكررت طلبها برغبتها في تقديم رأيها في كتابي، وبعد إلحاح منها اعطيتها البريد الالكتروني لتنصرف، وأعطتني زوجتي ما فتح الله عليها من طيب الحديث.
عبدالله عبداللطيف الابراهيم

Thursday, June 9, 2016

العفيف اللطيف



مضى عامين على مفارقة أبي لي، ومنذ وفاته وصورته اللطيفة لا تفارقني ، وكأني كنت بعيداً عنه، وبعد وفاته بدءت  طائرتي بالهبوط التدريجي نحوه، وكلّما مرت الأيام، قربت منه أكثر، وتبيّن لي أنني لم أكن أرى عظمته وارتفاعه بسبب بعدي، وكلّما قربت طائرتي منه عظم في عيني وقلبي.

رغم طيب طبعه وحسن معشره ورغبة الكثير بالتقرب منه، الا انه ترك أغلب الأصحاب، ليصاحب مصحفه ويصادق قرآنه، يأنس بمعشره ، ويصغي لحديث ربّه، ويشتاقه إن ابتعد عنه.
لا أزال أتذكر دخولي عليه وهو رافعُ صوته بالقرآن يترنّم بآيات ربّه ، أجلس بجانبه ، فكنت أريده أن أسأله عن أحواله، فيكمل صفحته، ثم يلتفت إلى يحدّثني،  ذات مرة جلست بجانبه فتوقف عند آية،  ثم نظر إلى وقال : انظر يا عبدالله، الله يخاطبنا،  الله يتودد لنا يقول لنا ” ياعبادي “ ثم تغرق عيناه بدموع الفرح بخطاب ربّه، ويكمل قراءته ويعود إلى دفتي مصحفه التين يحيا أغلب أوقاته بينهما، وكنت حينها أتساءل عن معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ” اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي “ لكن أبي فسّره لي دون أن يتحدّث.

حينما نجلس معه نستمع إلى الأخبار، كان يأتي - رحمه الله - بالكرسي ويضعه أمام رقاب وصدور المذيعات ليسترهن ، وحين تتراجع كاميرا التصوير في وضعية ال - زووم أوت - ويتغير مكانهن من التلفاز كان يقوم من مكانه ليصحح موضع الكرسي أو يضع علبة المحارم ليستر رقابهن اللاتي ارتفعت أماكنهن في التلفاز للأعلى أو انخفضن.
وجدني يوما أبي مهموم، فقال لي مابك؟ فأخبرته عن خلاف بين وبين شخص على مبلغ من المال ليس له حق به، لكنّ الأمر تطوّر واشتدت الخصومة، حينها أخبرني، يابني الخلاف الذي تصلحه الأموال هو أمر سهل، لا تتردد في دفع المال، المشكلة الكبيرة هي في الأمر الذي لا يصلحه المال.

في رمضان ، لا يزيد عن تمرات ثلاث يقفز بعدها للمسجد، ليدرك صلاة السنة ويحظى بالصف الاول ، و يعود بعدها لحساءه المفضّل ليجده بارداً ، فالصلاة أحب إليه، وحينما أتيت يوما لأفطر معه ودخلت متأخراً بعد الأذان، فوجدته مستعجلاً عن الباب مغادراً للمسجد، فقبّلت رأسه  وقلت له ما كان يقوله لي في صغري ممازحاً :” أن العجلة من الشيطان “ فأجابني مأدباً  وهو يخطو للمسجد: ” وعجلت اليك رب لترضى “.
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
@Boslaeh

Saturday, March 5, 2016

العملاق ” لي “





العملاق ” لي “

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 05/03/2016 12:00 AM

بقيادة ”لي“ استقلّت سنغافورة من ماليزيا سنة ١٩٥٩، رغم عدم  كفايتها من أغلب الموارد ناهيكم عن حاجتها للماء، لكن هذا المارد العملاق حوّلها لأسرع دول العالم نمواً اقتصادياً، وأصبحت اليوم حلم الكثير من الأوربيين للعيش.
لا تزال سنغافورة تبهر العالم بنموها وفوائضها رغم أن  عواصف الأزمات والكساد دمّرت أغلب اقتصاديات العالم وأضعفتها، لكن آلة النظام التي شيدها ” لي“ لا زالت تخلط لهم خلطاته السحرية الناجحة التي خلطتها أثناء حكمه الذي استمر ٣١ عاماً وإلى اليوم بعد أن تركها سنة ١٩٩٠، ومن  أسرار تلك الخلطة، إستثمار موارد الدولة في تطوير التعليم.

يحكى في القرون الماضية، أن أحد ملوك أوربّا طلب إليه شعبه أن يعمّر لهم بلادهم لتصبح مثل فرنسا وقصورها، فطلب منهم أن يدفعوا ضرائبهم الشهرية بعد غروب الشمس، بحيث يفتح الحرّاس باب برج  يصعد النّاس إليه، ويرمون مبلغ الضريبة في صندوق لا يصل إليه أحد، ولا أحد يعلم كم ألقى فيه.
طلب الملك حضور أهل القرية جميعهم، وأنزلت حبال صندوق الضريبة، وفتح الصندوق ووجد أن المبلغ المجمّع زهيد، فالكل يظن أن مساهمته البسيطة لن تؤثّر على مبلغ الضريبة، أراد  الملك أن يثبت لشعبه أمراً فقال ” أعطوني شعب فرنسا وأعطيكم صنائع ملوكها “ لكن أحد الحكماء كان جالساً فقال له: سيدي أنت وضعت نظاماً فاشلاً بامتياز لتثبت أقوالك، لم لا تستخدم قدراتك في تحفيزنا كما يفعل ملوكهم.

واليوم  يحرص السنغافوريون اتباع النظام الذي أسسه ”لي“  وبدأت مدارسهم ( من  ٢٠١٦ ) بالاستغناء عن عمّال نظافة مدارسهم، لينشأ الطفل وهو يحسن تنظيف مدرسته كما أحسن تنظيف بيته الخالي من الخدم، فحين يكبر السنغافوريين ويلتحقون بالعمل، لن يواجه أرباب عملهم مشكلة تعليمهم ثقافة العمل، فليس لديهم جيل مدلل من صغره، يقدّر الراحة، ويكره العمل، وحين يكبرون ويلتحقون بأعمالهم رغبة منهم في الحصول على الأجر، سيكونون مؤهلين للعمل والعطاء، أما الطفل الذي لا يعمل في بيته ولا يعمل في مدرسته، فلن يعمل في عمله، وحين لا يعمل أغلب الشعب، ستصبح انجازاتنا مثل صندوق ضرائب الملك، ونصبح في المركز الأول في أفضل الشعوب راحة وكسلاً بدلا من المركز السابع حالياً.

لا يروق لي أن أسافر آلاف الكيلومترات لأكيل الثناء لرجل انتهت خدماته منذ ربع قرن لا يقترب من ديني ولا يشاركني تاريخي، ولكننا في الكويت عالقون في حكومة لا تحسن عمل العمالقة، فالتشديد في التعليم سيزعجنا أولاً ولكنّه سيسعدنا لاحقاً.
                                    عبدالله عبداللطيف صالح الأبراهيم

Sunday, January 31, 2016

الرضا الوظيفي



 
                                               الرضا الوظيفي

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 01/02/2016

لن أكترث كثيراً في هذا الوقت من السنة، لو توقّفت جميع رحلات الطيران من الكويت ، فليس هناك أية وجهة تفضل بلدي لأغادر إليها، ولأغتنم هذه الأيام الرائعة، اختصرت نومة الظهر لتصبح دقائق قليلة ، أقفز بعدها لأدرك ما بقي من الوقت قبل غروب الشمس ، أمشي على شاطئ البحر ، أضع سماعتي وأستمع إلى أحدث كتاب مسموع اشتريته، يحدّثني عن ما وصلت إليه الفلسفة اليوم، ورغم أن الفلاسفة عباقرة، إلا أن عقولهم الجبّارة تستخدم كما يستخدم ثور السقي في البئر ، يجيدون الدوران في الدوائر المغلقة ولا يخرجون منها، والثور يخرج الماء، وهو يخرجون الشكوك ويغرسونها في عقولنا.

 لكن متعة متابعة أعمالهم الآخرين الفكرية، هي متعة لا تضاهييها متعة، وأزيد متعة السماع بمتع  الاستمتاع بالشاطئ الجميل، ومتعة انطلاق النظر إلى البحر الذي حوّل لونه الشتاء للأزرق الصافي، والزرع الأخضر الغامق والجو معتدل البرودة، واستشعر نعم الله علينا في هذا البلد،  وأسترجع قصيدة صفي الدين الحلّي ”خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ “ وأصل بيت القصيد فيها : ”وتنوعتُ بسطُ الرياضِ، فزهرُها متباينٌ الأشكالِ والألوانِ، مِن أبيَضٍ يَقَقٍ وأصفَرَ فاقِعٍ، أو أزرَقٍ صافٍ، وأحمَرَ قاني “ ويقول: ”طفحَ السرورُ عليّ حتى إنهُ مِن عِظمِ ما قَد سَرّني أبكاني، فاصرفْ همومكَ بالربيعِ وفصلهِ، إنّ الرّبيعَ هوَ الشّبابُ الّثاني“.

الكثير من الجمال يغمرني يلهمني ويمتعني ، وحين ما تشتد بي نشوة المتعة، أوقف كتابي وأشغل العزف المنفرد علـى البيانو لروبن سبيلبيرغ لاحلّق في سماء أخرى، في عالم افتراضي أقرب منه ليكون واقعي، فألبوم روبن المفضل عندي - هذه الأيام - أسمه ”في زمان مختلف، في مكان مختلف “ وفعلاً الزمان مختلف ، فكل هذا الهدوء ليس  إلا بين أخبار اقتصادية صاخبة ومقيتة ، وتدهور الأوضاع الإقتصادية، وسوء واضح في إدارة الأزمة، فالحكومة تجيد تشجيع المواطنين على خفض النفقات ، ولا تتحدّث عن سياستها القادمة في المساعدات والمعونات ، و تهيئ الشارع لحزم من الرسوم والضرائب وتتجاهل المال السائب .

قبل أيام أعلنت أبل عن ايراداتها للثلاث أشهر الماضية لتقارب ٧٦ مليار دولار، وشركة أبل لا تبيع النفط، ولا تملك غاز ، ولا برلمان ولا معارضة لكن رئيس حكومة شركة أبل يجيد جعل كل من هو أسفل منه في الهرم الوظيفي  يعمل ويتمتّع بعمله فيبدع، ونحن نعجز رغم الرخاء الإقتصادي أن نجعل الرخاء الوظيفي يتحقق، فأغلب الموظفين متضايقين  من عملهم، ولذا هم يتهرّبون لأن العمل يزعجهم، ويهملون لأن مسؤولهم في العمل أهملهم ، ويتغيبون لأن العدالة غائبة ، وهذا الأمر لا يحتاج دليل ، فالمواطنين العاملين في القطاعات النفطية والخاصة ينجزوا أعمالهم و يتقنوننها، ويواضبون عليها، ليس بسبب المال بل بسبب الرضى الوظيفي.
 

Tuesday, January 26, 2016

توسكاني

جريدة القبس :: نشر في : 30/10/2014 12
  أصاب شكسبير باختياره الريف الإيطالي مسرحاً لقصته الشهيرة «روميو وجوليات»، التي أغرقنا فيها بالرومانسية، فكم هذا الأقليم هو جميل بفصوله الأربعة! فمتوسط حرارة الجو في أشد الفصول سخونة، 25 درجة مئوية، ومتوسط الحرارة في أشد الفصول برودة هي 6 درجات، ويمكنك أن تتصوّر، كم هو الجو معتدل باقي الأيام وطوال السنة! وفي فصل الخريف، قررت زيارة ريف توسكاني الإيطالي، صحيح أنني لا أكترث كثيرا بزيارة المتاحف التي تملؤها أعمال أبطال هذا الريف، من ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، إلا أنني اكترث كثيرا بالجلوس على ضفة نهر «فلوم آمو» ومشاهدة أشجار الصنوبر والسرو الطويلة، وكذلك اشجار البلوط المعمّرة التي قد تصل إحداها الى عمر ألف سنة، وتكتمل سعادتي هناك بمشاهدة هضاب توسكاني الخضراء، التي تملأها المنازل المتناثرة، وفي الصباح الباكر أرقب من يهرول على ضفة ذلك النهر الرائع، بينما أرتشف القهوة الإيطالية التي لا يمكن لها أن تُغلب، بينما أكتب مقالي هذا. في أول يوم وصلت فيه إلى الفندق، لم يكن لي خياري المفضّل لأبحث عن المطاعم القريبة ممكنا لوصولي متأخرا ليلا، فاضطررت الى ان أتعشى في الفندق، وأدفع مبلغاً مالياً فيه، لكن مهارة هذا الطاهي جعلت عشائي في الفندق طيلة إقامتي. أشرف على خدمتي شاب عربي من تونس لم يتجاوز الثلاثين من عمره، دردش معي ومع صديقي، وأخبرنا بأنه قريب من الارتباط بزوجة إيطالية، ولأني أعرف المجتمع الإيطالي قليلا، سألته اذا كان يسمح لي ان اسأله إن كان يصلي، فأجاب انه يصلي يوم الجمعة فقط، فأخبرته بأنه إن تزوّج تلك الايطالية فإنه سيتحلل من دينه، كما تحلل كثير من المسلمين الصومال في المجتمع الايطالي، وكثير من ابنائهم تنصّروا وذابوا في المجتمع الايطالي، كما تذوب حبة الملح في الماء. في اليوم التالي، جاء الى طاولتي يحييني كما انه يعرفني منذ سنين، وتحدّث معي عن أوضاع المسلمين والتطرف، وتبين لي من حديثه انه بدأ يشك في دينه، لما يقوم به غلاة المسلمين اليوم من القتل باسم الدين، وطال الحوار قليلا فاستوقفته، سائلاً: إذا ما جاءك زميلك وأخبرك أنك طردت من عملك، فهل ستترك عملك، ام انك ستنتظر رئيسك ليخبرك الخبر؟ فأجاب: لن أترك عملي إلا اذا اخبرني رئيسي، وهنا أوضحت له اننا نتشكك في ديننا لأن هناك اناساً كل يوم يشككوننا في الثابت من تسامح ديننا، كيف لنا أن نصدّق الشكوك في عدالة الدين الاسلامي، بينما الثابت من ديننا أنه لا يمكن أن يُظلم فيه أحد، ولا يقتل فيه ذمّي ولا كتابي؟! انفرجت أساريره بسبب رجوع ثقته بدينه، وقال لي: ادعُ لي بالهداية. قلت له: لا يوجد احد لا يذنب، لكننا نسترها، عسى الله ان يسترها لنا، استعن بما تستطيع على ما لا تستطيع، تستطيع أن تفرش سجادتك كل صلاة، وتصلي فرضك حتى تنهاك صلاتك عن ذنوبك.


 عبدالله عبداللطيف الإبراهيم

Thursday, January 7, 2016

الغفلة عند العثرة

فواصل الغفلة عند العثرة

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 06/01/2016 12:00 AM
وضعت الأم طعام العشاء وقرّبت الخبز المحمّص، ومد الأب يده إلى قطعة الخبز وابتسم لزوجته، ثم سأل ابنه عن دراسته، متجاهلاً الخبز شبه المحترق، وحين نهض الولد عن طاولة الطعام، سمع أمه تعتذر لأبيه عن حرقها الخبز وهي تحمّصه، أجابها أبوه، قائلاً: حبيبتي لا تكترثي لذلك، يعجبني طعم الاحتراق في الخبز، وحين آوى الولد الى فراشه، سأل والده إن كان حقا يحب تناول الخبز محترقاً، فضمه والده إلى صدره، وقال: يا بني، إن أمك كان عملها شاقّاً، وخبزة محترقة يجب ألا تكسر قلباً جميلاً!
سبق أن وردت إليّ تلك القصة من صديق، فأعدت إرسالها الى بعض الأصحاب، وتساءل اثنان منهم السؤال ذاته: أين نجد البشر الذين يعذروننا؟! فأجبتهم، ممازحاً: نجدهم في وسائل التواصل فقط، فبين الأزواج قد يتعذّر التغافل بسبب الكثرة والتكرار، والاحتكاك والتعامل اليومي لا بد أن ينتج عنه تقصير، وستتعاظم الخلافات بينهم، إن لم يفرّقوا بين الخطأ الناتج عن خدمة بعضهم لبعض، والخطأ الناتج عن إهمال بعضهم لبعض، فحرق الخبز ناتج عن خدمة أحدهما الآخر، والعذر والتغافل واجب، أما إهمال الزوج أو الزوجة واجباتهما، فالحوار هو الحل، والتغافل سيفاقم المشكلة.
حين يزعجنا شخص عادةً ما نظهر التسامح والعذر، لكن تكرار الخطأ يستهلك «هامش التسامح» وتصبح الزلة الصغيرة شديدة الأذى للآخر، ليس بسبب كبر حجمها، بل لأننا نظن أن صبرنا نفد، فبعد سنين من عدم التفاهم بين الزوجين، سيصبحان أقل تسامحاً ويتحولان إلى لعبة الاتهام والتقصير، فرغبة تغيير الآخر هي الدافع وراء توجيه الاتهامات، والرغبة في التنفيس عن الانزعاج، لكن تلك الرغبة في تغيير الآخر لا تقدّم حلاً، بل تقدم ضمان استمرار المشكلة، والدوران في دائرة الشر المغلقة من دون نتيجة لأي منهما، فالكل خسران، ولا يربح سوى الشيطان، والحل هو في استخدام المنطق والتفكير في مبادرة خالية من الكلمات والعبارات التي فيها الاتهام أو اللوم.
يقول البروفيسور دالتون كيهو في كتابه مهارات التواصل المؤثرة: «لا تستخدم كلمات الاستفسار «ل.مَ» أو «كيف» في التواصل مع أي شخص، سترسله بعيداً، حيث كان أبواه يعاتبانه على تقصيره»، ويقترح البروفيسور في كتابه، الذي لم يترجم بعد، «أطنان» الأدوات التي تساعدنا في التواصل مع الآخرين بعيداً عن الاستفسار الذي فيه العتب والملامة، فالحب لا يجتمع مع تصيّد العثرات وتسجيل الهفوات، فالمحب يتغاضى ويتغافل.
التغافل لا يعني تجاهل الإشارات والكلمات وعدم الرد عليها، فهذا ابتعاد عن المشاركة، وهو رسالة واضحة للآخر «أنت لا تعني لي شيئاً»، فالباحثون وجدوا أن الأزواج المنفصلين يتجاهلون %80 من إشارات شركائهم السابقين، بينما لا تتجاوز تلك النسبة %19 بين الأزواج السعيدين، يقول البروفيسور السابق ذاته في الكتاب نفسه «نظن أن الكلمات هي التي بها التأثير في الآخرين، والصحيح أنّ الإنصات اليهم هو المؤثر».