إذا علا موج المصائب ، وتمايلت بك السفن ، فادعوا الله مخلص ، فإنه منجّيك لا شك في ذلك ، وإن أظلمت الليالي ، وعصفت الرياح ، وجحظت العيون ، وغزاك الهلع ، فاستمسك بالذي هو خير فانه الركن المتين وهو الملاذ والمأمن ، وإن داهمك الخوف فلابد لعقلك أن يميل ، فبعد أن إجتمعت حكمته تتفرق ، ويزيغ بصرك ، وينعقد لسانك وتخونك أفعالك ، لكن الحي الذي لايموت باقٍ ، فمن يعتصم بالركن الشديد لا يضام ، لكن لنخلع الخوف يتوجب البحث عن أسباب الاطمئنان ، ولا أعظم من معرفة إسم الله المؤمن والذي من معانيه تأمين الخائف ،
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ومن أراد يطمئن في ظل الفزع فليفهم قول الله عز وجل عن من يحفظ بنوا آدم
( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) وهذه المعقبات هي ملائكة تصاحبنا حيثما كنّا ومهمتها أن تحفظنا بأمر الله ومن أمر الله فكل ما يصيبنا هو أمره ، وكل ما تحفظنا عنه هو من قدره ، فتحفظنا إن أراد الله لها ذلك ، وتتعاقب علينا وتتبدل في اليوم والليلة ، وقد أرشدنا محمد صلى الله عليه وسلم باحاديث عظيمة إن فهمناها ووعيناها وعرفنا أن الله يحفظنا بسببها تمسكنا بها ، ولن يصيبنا شي ما قلناها وأيقنا معها بقدرة الله علينا ،ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ : أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم (2709) ، كما روي ( خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . فَقَالَ : قُلْ . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) وهذا الحديث سناده صحيح فلا تفوتوا المعوذات ،
وهذا سيدنا عثمان رضي الله عنه يروي عن النبي يقول : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ )
وقَالَ : فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا . رواه أبو داود ، ورواه الترمذي :
وآخر حديث أختم به هو ما رواه سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه حين جاءه رجل فقال : يا أبا الدرداء ! قد احترق بيتك .
قال : ما احترق ، الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك ؛ لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح : ( اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم ) رواه ابن السني ،
وهذه الاحاديث ، تذكرنا أن التوكل موضعه القلب ، فحين تحرك شفتيك ولسانك ، فحرك قلبك بالتوكل ، وأن الملك لله ، و الموت والحياة بيد الله ، وأن حفظك لا يكلف الله شيئا !
No comments:
Post a Comment