* أعاصير المشاعر و هيمنة عقولنا وطبيعتنا البشرية قد تجعل السلام على الغير مهمّة شاقة ، ورفع اليد بالتحية معضلة
يعرفوني بالثقة العالية، لكني شكاك حتى النخاع ، وشكي يبدأ في أفكاري ، ففحصي لأفكاري فكرة تلو الفكرة مستمر بلا كلل حتى أطمئن أن أفكاري حقائق صلبة ، وليست تصورات التي أحرص أن أدفنها وهي حية ،ومن تلك الأفكار ما يصاحب إلقاء التحية ، فحين أحيي أصحابي وأقاربي ، أشعر بسعادة لمبادرتي لهم ، بينما أشعر بثقلٍ في نفسي مع بعضهم حين أرفع يدي لأحيي من لا تربطني بهم علاقة شخصية أحياناً وأحسُّ بريحٍ عاتية تجتاح مشاعري وتقلّب سكون أفكاري ، وطالما سألت نفسي لماذا يصبح السلام ثقيلاً علي رغم محبتي للسلام ،و لم أكن أجد الإجابة إلى وقت قريب ، حتى اطلعت على تفسير علمي ساهم في فهمي للسبب، فلأننا نجهل حقيقة مشاعرنا مع من لا نعرفهم جيداً، لانجد سوى أسلوبهم الذي حيّونا به للاسترشاد على حقيقة مشاعرهم ، ولذا نقوم بتقليد طريقتهم بالسلام علينا ونحاكي مشاعرهم تجاهنا ، فنحن في حالة غموض المشاعر نستعير طريقتهم التي يحييونا بها ،و نتقمّص مشاعرهم التي يشعرون بها ، ولربّما كان سلامهم مشوباً بابتسامات المجاملة (الصفراء) ، ولربّما كان التلويح باليد يظهر منه ثقلٌ في النفس ، ولذا قد نستحضر تلك المشاعر بطريقة تسيطر عليها عقولنا اللا إرادية ، أو لربّما شقنا البهيمي .
فالبهائم لا تحيي بعضها البعض ، ولو راقبنا لوجدنا أن البهائم تسيطر عليها مشاعر العدائية حين تلاقي أبناء جنسها ، ولو أخذنا دجاجة غريبة وأدخلناها على الدجاج، لوجدناهم يتناوبون على نقرها، وعدت لنفسي أسألها: كم أحتاج من الوقت لأتخلّص من بعض صفاتي البهيمية لأصل إلى إلقاء التحية على من عرفت و من لم أعرف ؟
ورغم أن تلك المشاعر والأفكار لا تزال تزورني، إلا أن مداهماتي للقضاء عليها هي حملة شرسة ، أجبر فيها نفسي البدء بالتحية وتقديم الإبتسامة ، إلا أنّ البعض يواضب على عدم رد تحيتي له ، فأحرص أن أدفن في مقبرة أفكاري تلك الأفكار التي تزورني حين عدم الرد ، وأجبر نفسي على أن لا أفكّر بأسبابهم التي منعتهم من الرد على تحيتي ، فالكل مشغول والكل معذور كما يقول أبي دائماً ، إلا إني بذات الوقت أمتنع عن السلام عليهم رحمة لهم ، وإعفاءً لهم من مشقة ردهم لسلامٍ ثقيل على أنفسهم .
لكنني أشتاق للشقاوة السابقة ولأمرٍ في نفسي أخفيه ، فأتأخر بالبدء بإلقاء التحية علي من أحييّهم عادة ، يدفعني الفضول لمعرفة كيف سيكون سلامهم علي ، وأرقبهم من خلف نظارتي الداكنة ، لأرى من لازمت البدء بالسلام عليه لسنين طويلة ، تصيبه الحمّى من رفع يده مبتدئاً ، ولربّما رفعها ،لكنه يشيح بوجهه في الجانب الآخر ، كي لا أرى علامات الامتعاض على وجهه ، فكأنه حين يرفع يده بالتحية ، يرفعها مستحضراً خسارته الكبيرة بالسلام علي ، أو مستشعراً لكرامته التي أهدرت حين يتدنّس مقامه السامي بالنزول إلي ليبادرني التحية ، هنا أهمس في نفسي" يا مسكين ، والله لو علمت تكلّفك لبادرتك " .
لكن دمث الخلق منهم يبادرني ، تسبق ضحكته تحيته ، ويعتريني الخجل من شقاوتي ، و تعاتبني نفسي بعدها وأتذكّر أن تلك الشقاوة جعلتهم خيراً مني ، فرغم كل مابي من شكوك ، إلا أنني موقن أن خيرنا هو الذي يبدأ بالسلام .
عبدالله عبداللطيف الابراهيم
No comments:
Post a Comment