سيئة الذكر
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 11/10/2015 12:00 AM
حين تركب القطار بين مدينة ميلان الإيطالية و مدينة ولوزرن السويسرية ستعلم أن القطار يتوقّف عن مالايقل عن ١٥ محطة ، في المسافة التي تتجاوز ال 300 كيلو متر، فبين تلك المدينتين تقبع سلاسل جبال الألب التي تتناثر بها القرى وتقف عندها القطارات .
بحثت عن قطار يحملني أنا ومرافقي بين تلكما المدينتين دون عناء حمل أمتعتنا وتغيير قطاراتنا , وبعد البحث ، حصلت على قطار يربط المدينتين دون توقف ، لكن هذا القطار لا يتكرر إلا مرة أو مرتين في الأسبوع ، و لفرحتي باكتشاف مطلوبي ، أعدت ترتيب سفرتي لأحظى به ، وبعد أن وضعنا أمتعتنا وانطلقت رحلة الخمس الساعات ، بدأت علامات الضجر تتوالى على قسمات مرافقي ، فهذا القطار ليس فيه مكان لغير المدخنين ، وليس فيه محطة يتوقّف فيها !.
تجاهل مرافقي القطار المريح جداً ، والمناظر الخلابة ، والجو الخريفي البديع ومصبّات مياه الثلوج وهي تسيل من رؤوس الجبال ، تجاهل البجع والأوز والبط الذي يتطاير من بحيرات تلك الجبال ، ليطأطأ رأسه منزعجاً من حرمانه سيجارته ، فألقيت نظرة متأملة في حاله و تأملت ما تفعل به سيجارته ، فوجدت مشاعره كمشاعر مسجون ينظر من نافذة زنزانته ، وتساءلت عن قدرة هذه السيجارة على إيذاء مشاعره ورئتيه بتلك الرحلة وفي رحلة حياته .
شخصياً وجدت المدخنين يسحبون كرسياً لسيجاراتهم في أغلب مناسباتهم ، فهذا حزن يشكونه لها ، وهذه مناسبة احتفالية والسيجارة أول المدعويين، وهذا موضوع مدهش وليست سوى السيجارة تجعل الإندهاش يبلغ منتهاه ، وهذا موضوع شائك وبانتظار السيجارة لجعله سهل ومفهوم ، فهل فهموا ؟!
قام الباحثين بسؤال المدخنين هل أنتم مقتنعون أن الأمراض تصيب المدخنين؟ والغريب أن غالبيتهم اعتقدوا أنهم الأمراض تصيب المدخنين ، والأغرب أن الباحثين وجدوهم لا يظنون بإصابتهم بل يظنون أن المرض سيصيب سواهم من المدخنين !!.
أصاب صديقي إلتهاب الشعب الهوائية ، وبالنظر لصورة رئتيه وجدت السواد يملئ شعبها الهوائية وذلك بعد تركه للتدخين ب ١٣ سنة ، والمثل قديما يقول لا تخرج فضلاتك في إنائك الذي تأكل فيه ، فليتذكّر كل مدخّن أنه يحتاج رئته ليتنفس أيضاً.
كان التدخين مسموحاً في ديوانيتنا سابقا، وقام (غير المدخّنين ) بإحضار أجهزة شفط الدخان ، ووزعوها على الزوايا لكنّها كانت تحدث ضجّة وصخب، جلس صديقي بجانب الشفّاط وأشعل سيجارته ، لكنه شدة صوت الشفّاط أزعجه، فقام أطفئه ، فالتفت له وأخبرته عن أضرار التدخين ، ودخلت معه في جدال وقلت له : ياأخي أنا غير مدخّن ، ألا تخاف على رئتي ؟ فقهقه ضاحكاً وقال لي ممازحا ، هل تتوقّع من شخص لا يهتمُّ برئته الإهتمام برئة الآخرين ، استغرقنا في الضحك ولا أزال اليوم أضحك من فكاهته وصراحته ، وكلّما تذكرت الموقف ،أضحك لكن الحزن يغلبني فقد خسر رئته في التهاب ، وخسر حياته وهو شاب.
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
No comments:
Post a Comment