Friday, October 18, 2013

حين تموت الآلهة


من يطعن في الإسلام يرفض فكرة الدين، ويتصيد في الماء العكر زلات المسلمين ليلصقها بالإسلام، ولكن هذا يكشف ما بداخل من يطعن من كره للأديان.

اقشعرّ جسدي حين قرأت لكاتب يعزو تخلفنا اليوم إلى الدين، يقول الكاتب إن الدول المتقدمة ليس بها من يقول في خطبة الجمعة «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»، تألمت من جرأته على ربه، وتذكرت قوله تعالى «خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»، وتساءلت كما يتساءل أي عاقل: إذا كان الإسلام هو سبب التخلف، فلم كنا منارة العلوم حين التزمنا به، ولم الآن تخلفنا عن الحضارة حين تخلفنا عنه؟!

سألت نفسي: لو أن الكاتب ذكر أن الهندوسية سبب تردي حال الهندوسيين، وكان بينهم، فما سيقولون أو ماذا سيفعلون؟ وبحثت عن سبب قد يعذر الكاتب فما وجدت له من عذر، فالأديان بمجملها هي دعوة للفضيلة وتطهير للنفوس وعفو عمن ظلم وإحسان للغير، وكيف لعاقل أن يشتُم الجميل؟ وكيف نذمّ ديناً دعانا إلى حفظ الحقوق وذكرنا بالفضيلة ونهانا عن الإفساد في الأرض؟! وهل النفوس السليمة يمكن لها تقبّح الجميل؟

إن من يطعن في الإسلام يرفض فكرة الدين، ولأنه يعلم أن أغلب من يسكن هذه الكرة الأرضية له إله يعبده، ولا يمكن معاداتهم جميعاً، لذا هم أذكياء في فن التخفي، يعيشون كما تعيش الأفاعي، لا يسكنون جحورهم ولا يفصحون عن معاداتهم للدين، بل يتصيدون في الماء العكر زلات المسلمين ليلصقوها بالإسلام، والأفاعي لا تحفر جحورها، بل تتخفى وتتلون لتلدغ، ولذا يتخندقون في مساكن الليبرالية (الحرية) أو العلمانية، ويحاربون الأديان من خنادق غيرهم، وذلك لأنهم لا يستطيعون أن يخرجوا ويكشفوا عما في صدورهم من كره للأديان، فهم يخشون أن يكونوا أعداء سكان هذه الكرة جميعاً.

إن من يطعن في الدين ويتشكك في وجود يوم للعدل الإلهي وهو يوم القيامة، يتساءل ليس بحثاً عن إجابة! بل ليبرر عيشته العبثية، كما يحلو له من دون ضوابط الدين، «بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ، يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ»، ولأنهم يتبعون أهواءهم وشهواتهم، فأصبحت شهواتهم آلهتهم، فشهواتهم هي الآمر الناهي يقول تعالي «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»، وحين يموتون، تموت معهم رغباتهم وأهواؤهم التي اتخذوها إلهاً، أما إلهُنا فهو باقٍ حيٌّ لا يموت.

تم النشر في 2013/10/13 
عن الكاتب

Thursday, October 10, 2013

حناجرنا المظلومة


 
قبل سنين طويلة أتعبني ترددي على الأطباء لعلاج التهاب حنجرتي المزمن، لم أجد عند الطبيب سوى المضاد الحيوي الذي زاد تعبي، لكني وجدت أن سنوات التردد على الاطباء كانت سببا يمنع تفكيري في مشكلتي، وذلك لأني لم أكن أبحثها وكنت أوكل الطبيب فيها، وحين قررت أن اراقب نفسي علمت أن درجة برودة الثلاجة ومبرد الماء كانا خلف مشكلتي.
وزاد مشكلتي تعقيداً، إصراري على الاستمتاع بالمشروبات الباردة والمثلجات! لكنني وصلت الى تسوية وأغلقت ملف مشكلة حنجرتي للأبد، حين عدلت برودة الثلاجة والمبرد، وحين أوجدت حيلة لأجعل فيها حنجرتي في مأمن من البرودة العالية، فحين أشرب المثلجات أُبقيها في فمي لوهلة حتى تذهب برودتها.
ولكل من لامني لإصراري على شرب المثلجات والبارد فانني أذكرهم أن العرب قديماً حين يشعرون بالمتعة العالية لأمر جميل يقولون «ألذُّ من الماء البارد على العطش»، ففي ذلك الزمن لم يكن من الحرارة مهرب، فلم توجد مكيفات الهواء بعد ويتعذر عليهم تبريد الماء، فغالباً كانوا يشربونه غير بارد، ولو أخرجنا بعض الأعراب من قبورهم، وزرنا بهم اليوم أقرب مقهى، وسقيناهم الايس موكا والايس شاك ثم عرجنا بهم على عصائر الافوكادو بالمانجو او بالعسل، لربما ظنوا أنهم قد نجوا من النار فهذه أمنياتهم قديما التي كانت ستتحقق لهم فقط الجنة.
ولا ننسى أن رفاهية المثلجات، التي لا يمكن مقاومتها، لا تناسبنا، فأجسامنا ليست معدّة لاستقبال هذا القدر من البرودة، ومن يلازمها ويحبها فانه سيلازم الأمراض، فأضرار الشراب البارد لا يمكن لها أن تحصر، وأبسطها هي التهابات منطقة الحنجرة المزمنة التي تؤثر في السمع والنوم ومستوى الاوكسجين بالجسم وانخفاض المناعة، حتى لا نكاد نشعر أننا أصحاء، فالحنجرة التي هي حارس مرمى اجسادنا ستكون في إجازة طبية حين تحرز الفيروسات أهدافها.



Wednesday, October 2, 2013

حين يغلبنا البقر


أحضر كمية من الفواكه الطازجة التي تحب، ثم اشتر عبوة من ذات العصير الذي يباع، اعصر تلك الفاكهة وتذوّق العصير الجاهز وقارن، لن تحصل على ذات طعم فاكهتك المعلبة، حاول إضافة كمية هائلة من السكر، وستصل إلى %80 من طعم العصير المعلب، ثم حاول أن تضيف كل الأطعمة التي هي من الطبيعة، واحداً تلو الآخر، وتذوق، وفي النهاية ستكتشف عجزك عن محاكاة طعم العصير المعلب، فهذا الطعم لا ينبت أو يزرع، ولم يجلب من نبتة من الغابات البعيدة، بل هو مصنع في مصانع النكهات الصناعية، التي تتم بعمليات كيميائية معقدة، والتي تنتج عن مداخنها بعض الأبخرة السامة.واليوم لم يبق نوع نادر من السرطانات، إلا واستحضرناه في حفلة زارٍ مجنونة، قدّمنا فيها قرابين الأطعمة المصنّعة وأبخرة عوادم السيارات والمصانع، ولأن بعض السرطانات مثل مردة الجان التي لا تحضر حتى نقدّم لها قرابين من نوع خاص، اليوم كذلك حضرت بمستحضرات التجميل ومزيلات العرق، التي لا تخلو من الزنك والألمونيوم والرصاص، ولربما قريبا اليورانيوم.
منذ سنتين مضتا، كتبت في مدونتي على الشبكة، ترجمة مقال لدكتور أجرى أبحاثه على الفواكه والخضار، ثم سمّى مقالته بعنوان الدرزن القذر «dirty dozen» ذكر في مقاله أصناف الفواكه والخضار الاثنى عشر التي يجب ألا نشتريها، إلا إن كانت من سماد عضوي، حيث قدّم الدليل على وجود السماد الكيماوي شديد السمية داخل أجسادنا منها!
ولأن ما يبكينا قد يضحكنا، فالبقر قد سبقت جنسنا البشري، فهي قد عرفت كيف تتخلص من أطعمتنا الفاسدة التي نعطيها، لذلك اتفقت وادّعت الجنون وتحايلت علينا وتخلصت من فساد ما نطعمها إلى الأبد، وحفظت أبناءها وجنسها، بينما لا نزال (نحن البشر) نتناقش، ونأكل ما يضر وكل يوم جديد، ندفن ابناً جديداً بعد مسيرة طويلة من العلاج.
ورغم أننا جميعاً نعرف من هم الجناة وهي السموم ، ألا أن متخذي القرار يصرّون على أن يخلوا سبيلهم، وذلك لأنهم لا يعرفون تحديداً من بدأ الأذى، بالرغم من ثبوت انقضاضهم جميعاً ومشاركتهم بالجريمة.

قد نعجز عن أن نغير قوانين مجتمعنا لمنع المواد الضارة التي تضر بنا وبأولادنا، ولكن بكل تأكيد نستطيع تغييرها في بيوتنا.