Saturday, July 28, 2012

أضئ قلبك


للتحية نرفع يدنا أو نمدّها للمصافحة , لكننا حين نرفعهما عاليتين ، فهذا إعلامٌ لنا بالحضور بين يدي  «عالِمُ الغيب والشهادة الكبير المتعال» ورفع كلتا اليدين في وقتٍ واحد هو إشعارٌ لنا برمي همومنا والامنا وآمالنا  خلف ظهورنا لنقبل على الصلاة بقلب لا تشغله الهموم ثم نضمهما تحت الصدر لنظهر إنضباطنا في حضرته ، لينضبط معهما قلبنا و يطمئن بهذا اللقاء العجيب.
  حين نستهل الصلاة بقولنا " الحمد لله رب العالمين"  نفتتح هذا اللقاء  بالحمد ، رغم أن شكره باللسان محمود ، إلا أن تعداد النّعم بالقلب هو الأفضل ، فمنته كبيره ، وفضله عظيم ، وكرمه فيّاض فلا حمد يجازي نعمه ولا شكرٌ يردّ له فضله ، ولاثناء يليق بقدره ، فكم من ضالِّ عبد صنماً أو بقره ، وكم صوّامٍ قوّامٍ ، معتكف في كنيسته ، لكنه ضال ، فينسب لربه الولد  ، ثم  يصلي لربه كما هو يظن وليس كما أمر ربه ، محرومٌ من جنة الدنيا و محرومٌ من جنة الاخرة ولذا نقول " اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" ، فحين نستذكر النعم لا ننسى نعمته بأن دلّنا على طريق رضاه " بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان " "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " والمسكين من لايعرف العدّ.
لكن لقاء المخلوق بالخالق يتوجب تكريماً خاص ، وتعظيماً خاص ، واعلانٌ بالاستسلام و الانقياد ، ولأجل ذلك  فكل التحايا لن تناسب اجتماعنا بمن نفخ في هذا الجسد من روحه ، ولولا أن هدانا لما عرفنا الركوع والسجود ، فينحني ظهرنا منحنيا له ، و نضع جباهنا التي كنّا نرفعها عالية لنضعها على أرضه وملكه وبحضرته، لكن الغريب في تلك السجدات أنها ترفعنا لا تخفضنا ويشعر العبد في أعلي مقامات العبودية ، أننا ننخفض إنخفاض العاجز ، ونرضخ رضوخ الضعيف ونهون هوان المحتاج ، لكن كل ذالك الذل بحضرة الرب ينقلب الى ضياء يملأ قلبه  ، فيغمرنا جمال القرب  و يأنسنا  حديث مع الرّب و متعة المناجاة " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"( صحيح ) ولأنه ليس لله من كفؤ فالجميع سينحني له ، ومن لا ينحني سيعذّب "ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب".

كباقي العبيد ، نسكن  معمورة المعبود  ( اضغط الرابط إن أحببت ) و لكننا وإن كنّا وحدنا في السجود ، إلا أننا نسبِّحُ مع الخلائق ونحمد مع الخلائق "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ   وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ "  ، وفي وقوفنا للصلاة نستشعر أصطفافنا مع الملائكة ،  قَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ، وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ , أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقٌّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ( أطّت : ثقلت وصار لها أطيط أي صرير )  ؛ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ  وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" حسنه الالباني
"قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ" وفي ثناء الله على المؤمنين ، بدأ سبحانه  بالخشوع كأهم صفة ، وأما الآية "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" فقد جائت بالاهمية السادسة من سورة المؤمنون  دلالة على أن معنى الصلاة السامي هو الخشوع  ، فالخشوع هو درّة تاج الصلاة ، ومقصدها، والخشوع هو  بتحريك القلب ، وليس بتحريك الجسد ، و هو إحساس واستشعار وإنغماس في العبودية في حضرة المعبود ، هوخفقان القلب بالامتنان ، وانقطاعٌ  عن المشاغل ، فالشاغل أعظم ، إن الصلاة إتصال للروح بخالقها و إياب الروح إلى نافخ الروح  ،  فكم من مصلي يقول بلسانه " الحمد لله رب العالمين" لكن قلبه يقول كيف سيحمدني ربي أن وقفت لأصلي له ، وكم من مصلي يقول بلسانه إهدنا الصراط المستقيم وقلبه لا يسأل الله الاإن يهديه الى ما يملأ جيبه .
 و بتكرار الصلاة  يضاء القلب ،  فهو لقاء يجمعنا بالنور " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ" ويقول " يهدي الله لنوره من يشاء" وإذا أردنا أن تضاء قلوبنا من نور الله لنقرأ الاية الي تليها مباشرة "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ "


عبدالله عبداللطيف الابراهيم

Thursday, July 26, 2012

مكتب التحقيق في الحسد


مكتب التحقيق في الحسد 

تفضل اجلس ، أنت تسأل : من؟ ، المحقق يجيب  : نعم أنت فأنا أريد أن أتحقق من حجم الحسد في قلبك ، تفضل اجلس ، مالك لا تجلس ، المحقق يكلمك وأنت تتجاهله : لِمَ تشك أنني أكلم غيرك ؟  نعم أنت ، أنت أنت لا أحد غيرك  ، نعم أنت قارئ هذه السطور ، حين تقرأ عنوان هذا المكتب  " مكتب التحقيق في الحسد" وتدخل ، تتحوّل تلقائياً الى مشتبه به ،اممممم ( أنت تفكر ) و لم دخلت إذن ؟ لم لا تجيب ؟ ( المحقق يسألك ) سأمهلك دقائق لتخرج من مكتبي أو سأبدأ التحقيق :  ٣  ، ٢  ارفع نظرك وغادر عني أو انظر لمقالة  أخرى الآن قبل أن أبدأ التحقيق معك الآن ، ١..  أنت متهم بوجود حسد في قلبك !  أنت : أنا لا أحسد أحداً ، المحقق : كلكم تقولون ذلك عند دخول مكتبي ، أنت :  لكنني أكره الحسد ، المحقق : ارفع رأسك واقرأ قانون الحسد الوحيد المعلّق في هذا المكتب "ما خلا جسد من حسد ، لكن الكريم يخفيه ، واللئيم يبديه " ، كيف وأنا أكره الحاسدين وكل صاحب قلب أسود ( أنت تجيب ) ، المحقق: هذه طبيعته الحسد لولا وجود مكتبنا مفتشاً عنه لاختفى ولأنكره  الجميع  ، فالكل يخفيه مع أنه لا يخلو قلب بشر منه ! ، هيا قل لي :ماهو آخر أمرٍ حسدت به غيرك ، أنت : أنا لا أحسد! ، المحقق : لا أدري لم الناس لا تجعل الأمور بسيطه وتعترف ! ، ماهو دينك ( المحقق يسأل ) : الإسلام ( أنت تجيب ) ، المحقق: أحضروا القرآن الكريم ، ضع يديك عليه ، ( تضع يديك عليه بلا خوف ) المحقق : قل خلفي : أقسم بالله العظيم ، أنت : أقسم بالله العظيم ، المحقق : أن أُعمى بكل كذبة أكذبها هنا سنة ثم يعود لي نظري ، أنت : لا ، السنة كثير وأخاف أن أخطئ ( جلَّ من لا يسهو ) ، المحقق حسناً بكل كذبة شهر ثم يعود لي نظري  ، أنت: حسناً أُقسم ،،،، 
المحقق : هل عندك أخوان لتحسدهم ؟
أنت : هل جننت ؟ وهل يحسد المرء أخيه ؟ حححح حححح آسف على اللفظ ،، بكل تأكيد إختيار اللفظ غير موفق (ثم أنت مبتسماً )
المحقق : لابأس  ، أقسم أنه لا يوجد من يحسد إخوانه ؟
أنت ( متذكراً العمى ): أنا لا أحسد إخواني .
المحقق : هل تعلم من الذي قد حسد نبي الله يوسف ؟
أنت ( ممازحاً) : هل تريد أن تحقق معه أيضاً ؟  إنه نبي !
المحقق ( مبتسماً ) :لا ، إنما أريد أن أذكرك بأن الحسد يكون بين المتنافسين ولو كان جارك او شخص يضاهيك وينافسك ، ولا أشد من منافسة الأخوة .
المحقق: هل حقق نجاحًا أحد أخوانك يوما ما ؟
أنت :نعم 
المحقق : هل أثنيت على نجاحه ؟
أنت : نعم ، لقد باركت له .
المحقق : هل شعرت بسعادة غامرة حين نجح ؟
أنت : نعم ، فأنا أتمنى له الخير من كل قلبي .
المحقق : مع من تتنافس في العمل  ؟
أنت: كثير
المحقق : هل حقق أحد منافسيك نجاح وتفوق؟
أنت : نعم ، وباركت لهم .
المحقق : هل داهمك شعور بالإنزعاج حين تفوقوا وتأخرت أنت عن تفوِّقهم ؟
أنت : لقد انزعجت لأنني لم أفعل ما فعلوه ، ولكنني فرحت لهم .
المحقق : هل تمنيت لهم أن لا يحققوا نجاحهم 
أنت : ( متذكر القسم ) لا أذكر .
المحقق : هل شعرت بأنك غير مرتاح لنجاحهم 
أنت : لا أذكر .
المحقق : ( يغضب ) أجب الآن ، هل شعرت بعدم  الراحة لرزقٍ رزقه الله غيرك سواء كان نجاح أو مال أو ترقية أو شهرة أو بيت أو زوجة ،،،،
أنت : أريد الحمام 
المحقق : أخرج ولا تعد مكتبنا ،،، وتذكّر ، سأراقبك من اليوم   
ثم يتمتم قائلاً : كلكم هكذا ، ثم يرن الهاتف فيجيب ، نعم أنا المحقق زيد ، يصمت يستمع طويلا ، ثم يقول ، ولم أنا بالذات أُنقل من هذا المكتب ، ولم زميلي المحقق عبيد يتمتع في هذا المكان منذ خمس سنين ، تنتهي المكالمة ثم يقفل الهاتف.
أنت : أليس هذا بحسد ؟
المحقق: يخفض رأسه ، أستغفر الله ،أستغفر الله ،أستغفر الله ، اللهم إني أسألك لعبيد كل الخير ، اللهم وفقه ، وارحمه وبارك له في ماله وأهله وولده ،،، نعم لقد حسدته ، وهذا هو العلاج.

عبدالله عبداللطيف  الابراهيم 

Wednesday, July 25, 2012

قصة التّكبّر




في أكرم المجالس ، يقترب الأكارم من أكرم الأكرمين ، وهناك يختلف التكريم ، فلا يُؤذن بالحضور لمن جَمّل هيأته ، أو حسنت صورته  ، وإنما لمن صلحت سريرته و استقامت أفعاله ، فقربه من ربه أعظم المكافآت .
ورغم أن هذا هو الأصل ، إلا أن إبليس الخسيس قد أُذِن له  بالحضور ، رغم فساد في سريرته ، لكن حكمة الحكيم ، أرادت له الحضور ، فرغم فرحته بالإقتراب وشعوره بالتكريم ، إلا أن التكريم لم ولن يكون له! فقد كان لنا حيث أُمر الحاضرون بالسجود لمخلوق جديد خلقه الله سبحانه بيده ، وأُمر كل الحضور بالسجود له  ، لكن إبليس إستحقرنا ولربما نظر إلى خِلقَتِنا كما ننظر نحن اليوم الى الدواب فهو مخلوقٌ من النار ، ضخم البنية ، عزيزٌ في قومه ، فكيف ينخفض لنا !
ولهذا السبب دعي الخسيس الذي أبطن الشر ، وأظهر الطاعه فكشف الله معاداته لنا لسبب بسيط لأننا و الشياطين سنتقاسم العيش على هذه الكرة ، وهم يرونا ونحن لا نراهم ، فلابد أن نعلم شرهم لنتقي كيدهم.
خالف إبليس أمراً واضحاً من الجبّار بالسجود ، فخاطبه ربه مستفسرا عن امتناعه " مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ؟ ، رغم أن الرب سبحانه يعلم الإجابة قبل أن يسأل ، لكنه يسأل ليجعل المسؤول يقر بما خبّأه قلبه " أستكبرت أم كنت من العالين " ؟ ولأنه سبحانه يعلم الإجابة فليس هناك احتمالات لأسباب امتناعه عن السجود ، فالاستكبار والاستعلاء كلاهما نتيجة واحدة لعمل قلبي اسمه الكِبِر ، و فُضح هذا الخسيس ، وعلم إنه سيطرد من مقامه الرفيع ليس لامتناعه عن السجود ، فالله من يغفر الذنب - حيث غفر الله لآدم - لكنه سيطرد لأن مجلس الله أعز من أن يحضره من يحقر خلقاً من خلقه "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين " .
في ذلك الزمن السابق ، علمت الشياطين أن أسهل الطرق لنتساوى في الذنوب معهم هو أن نتكبّر مثلهم  فأبوهم قد ذاق عقابه المعنوي  بالطرد وسيذوق عقابه المادي بالحرق ولأن جعل بني آدم يتكبرون هو هدف عظيم بعيد المنال ، جعلوه خطتهم الطويلة لنا ، يغرسون فيها بذور الكبر في أنفسنا غرساً وتقسّم ثلاث مراحل حتى لا نكتشفها ، ففي المرحلة الأولى وكلما فعلنا فعلاً طيباً ولو كانت طاعة ، رفع الشيطان يديه لنا بالتصفيق موسوساً ، ثم يعاود جلب محاسننا وجميل صنائعنا - في أذهاننا - ولا يمكن لنا أن نعلم هدفه حينها ، لكنه يشجعنا عليها لا لنكررها ، بل ليغرز إسفيناً يربط عليه خيوط وساوسه ويهيئنا للمراحل المقبلة ، وبعد أن يرينا جميل أفعالنا ، ويعظّم أفعالنا بعيوننا ، ينقلنا إلى مرحلته الثانية وهي أن نحقّر أفعال غيرنا، وبالرغم من أن كل إنسان يقوم بهذين التفكيرين دون وعي إلّا أن الشيطان يؤكد عليهما بوعي وخطة مدروسة ، فتكرار تحقير أفعال الغير وتكرار تعظيم أفعالنا كفيلان بتهيأتنا لمرحلته الثالثة التي نتساوى معه فيها بالتكبّر على خلق الله ، وفي هذه المرحلة تعقد المقارنة بين ما نعظمه لدينا وبين ما نحقّره لدى الغير فيدخل الكبر في قلوبنا ونستعلي على خلق الله بأن نحقّرهم ونعظّم أنفسنا .
ولأن المتكبّر غالباً ، يحتقر من ينصحه ، ويرى في نفسه مرتبة أعلى من الناصح لذا لا يرجى شفاؤه ( إن كان في المرحلة الثالثة) أما في المراحل الأولى فإن علاجه إن يحقّر نفسه ، ويعظّم من يحقره حتى تستقيم نفسه على أن لا تحقر خلقا خلقه الله .
ومما يوجع القلب أن الكبر يحرص الشيطان أن يغرسه في قلوب أهل الطاعة قبل أهل المعاصي ، ليغرس قنبلته التي تفجر طاعاته بكبرٍ خفي لن ينصحه فيه أحد ، وترى الرجل أو المرأة الصالحة قد أطلقوا يديهم بالخير ، وجاد لسانهم بالذّكر ، لكن هذا الرجل رغم حرصه على صلاة جماعة ، يقف الفقير بجانبه ، فيتأذى من رائحة عرقه ، فلا يحمد الله على فضله بأن رفعه وخفض غيره ، بل قال في نفسه "كيف يتعدى هذا الجاهل على المسجد برائحته ؟ " وينسى ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن بال في المسجد ، فيذهب أجره بتحقير خلق الله ، و يضيع عمله باستعلائه عليه ، ولربما أظهره لسانه.
لكن غبار الكبر لا يكاد ينجو منه أحد ( نسأل الله العافية )، فكثيرٌ من الناس يتكبر بماله ، أو بوطنه وجنسيته ، أو بطوله أو بقوته أو جماله أو نسبه أو بمنصب أو بوظيفة ولا يعلمون ماذا يقول الله في الحديث القدسي" الكبرياء ردائي ، فمن نازعني في ردائي قصمته" (صحيح ) ويقول صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر "( صحيح ) , فهل سينجح إبليس في غرس حبة من خردل في قلوبنا قبل أن نموت ؟

Friday, July 13, 2012

بلاد الواو


بالرغم من أن الشمس تشرق علينا قبلهم بنصف يوم إلا ان ضياء علومهم قد أنار ليلهم قبل ليلنا بنصف قرن ، وفي هذا البلد الذي أبهر العالم ، بصناعة أفلامه وصناعاته و أسلحته يستمر الإبهار وأصبح معلماً يزورهم ويزورونه فهو جزء من ثقافتهم وممارساتهم اليومية ، فلا طعام يقبلون به دون الإبهار ولا سيّارة يركبونها دون الإبهار ولا برنامج تلفزيوني أو فيلم وحتى حدائق ترفيه أطفالهم تجد فيها الإبهار ، لكنه يرفع سقف تكاليف حياتهم ، ففنجان قهوتهم المبهر قد تضاعف ثلاث اضعاف مقابل الحصول على الكثير من الإبهار في مستوى الخدمة والكثير من الابهار في حسن التعامل و إبتسامات العاملين والكثير من الإبهار في النظافة و ملائمة المكان ولكنك ستحصل على قليل من قطرات القهوة المركزة.
لكن الإبهار ليس حِكرا على أفلامهم و صناعتهم وإنما هو جزء من اسلوب تفكيرهم ولذا تجده في تفاصيل حياتهم اليومية ليجعل مطاردة الحلم الأمريكي ( امريكان دريم ) مطاردة جادّة - وإن كانت مستحيله - للحصول عليه ، ولذلك تجدهم يقترضون ليعيشون في مستوى الإبهار المرغوب ، وبعد الكثير من نكساتهم الإقتصادية والكساد الإقتصادي يرفضون أن يكون الإقتصاد والتوفير هو الحل فتجد ثقافة الإبهار تتدخل في إسلوب حل أزمة ديونهم وكساد أسواقهم فنتفاجأ أن حلهم لها هو زيادة الإنفاق!
وكما أن رجالهم يحلمون في الثراء الي حد الإبهار، فإن نسائهم يبحثن عن الجمال ، ولكن كل المساحيق لن تجعل من كل الرجال يقولون واو عن جمال المرأة ، فانتقل البحث عن الأبهار من الوجه إلى الثياب ، ولأن أجمل الثياب لا تكفي لأن تجعل كل الرجال يقولون واو فتحولوا إلى الكشف عن الجسد ، و لأن الغرائز ( البهيمية) كفيلة بجعل أغلب الرجال ينظرون إلى الجسد المكشوف ، لذا تم الإستعانة بالغرائز ليبدأ التسابق في كشف الأجساد ، حتى أصبحت الأجساد المكشوفة هي الزي الموحد لكل طلاب مدرسة الإبهار الأمريكية .
لكن حياتهم المادية المبهرة تحولت إلى المظهر وتركوا إبهار الروح ، فعاشوا ليجمعوا المال دون أن يملّوا الجمع ونسوا أن المال وسيلة المتعة و المتعة لا تتطلب مالاً وأن بعض الرضا كفيل بان يقلب شقاء الدنيا جنة ولكي نتمتّع تكفينا الابتسامة ، والابتسامة لن تطلب منّا كشف حساب بنكي قبل أن تزورنا ، ( ولكننا نتصوّر ذلك ونصدقه ) ، و حين نناديهم باسمائهم نجدها هي للأنبياء مثل داوود ( ديفيد ) ويعقوب ( جاكوب ) وغيرهم من القديسين لديهم ، ولو خرجوا من قبورهم ورأوا ثيابهم المنافية لدعواتهم بالحشمة وعلموا أن محاكمهم تحفظ الحقوق ، لطالبوا بحقوق ملكية أسمائهم أن تحفظ ، ثم عادوا لقبورهم .