Thursday, March 21, 2013

الرايخ الألماني




في القرن الماضي ، هجر الألمان الديمقراطية  وصوّتوا لجنديٍ  رغم علمهم أنه يقصي المخالفين ويحقد عليهم ، لأن عزف  قيثارته أطرب مشاعرهم لا عقولهم فما كانت أغنيته ؟ وماذا نتعلّم من وصوله للحكم ؟
--------------
في ١١ نوفمبر  ١٩١٨  إنتهت الحرب العالمية الأولى ، بتوقيع  اتفاقية فرساي بشروطها المهينة  للألمان ،  ودخلت ألمانيا في سنينها العجاف ، فعصف الفقر بهم لدفع فاتورة حربهم الأولى والتي تقدّر ب ٤٥٠  مليار يورو طبقا للقيمة الحالية للمبلغ ، وتحول الجندي الذي عرفت عنه الشجاعه في الحرب العالمية الأولى الى العمل السياسي ، واعتلى منصات الخطابة ليلهب الجماهير ، واستمر سنين طويلة يحمل مطرقة كراهيته الثقيلة باتهام اليهود والسلوفاك والاشتراكيين باسباب الدمار والفقر والفساد  ويضرب بها أجراس ثقافة ألمانية أصيلة ، غرسها أدبائهم ومفكروهم وأجدادهم ، بان جسّدوا لهم النجاح " نصرٌ في معركة"  والرجل الناجح "جندي شجاع" فكانت ثقافة الحرب المغروسة بهم مطيته التي اعتلاها بخطاباته وكانت ثقافتهم تربوا عليها أغنيةً رقصوا عليها صغارا ولا يملكون الا أن تطربهم كبارا ، رفع لهم هتلر إتفاقية الخزي منادياً لجيوشٍ  فرقتها الهزيمة بصيحات المجد والعزيمة ، فكان له ما أراد وحصل على ٤٣،٩ ٪ من الأصوات  ،  لم يستطع الرئيس الألماني الإستمرار في رفض تعيينه كمستشار - لشكوكه في قبول الحزب النازي مبادئ الديموقراطية - لكن هذا الجندي الذي كان يعمل في إيصال الرسائل إلى جبهات الجيش في الحرب العالمية الأولى تولى السلطة تحت الضغوط ووصل إلى أعلى هرم السلطة  ، ليُحرق البرلمان بعدها واتُّهم الحزب الشيوعي بتلك الجريمة و قتلت الديموقراطية وقُتل الكثير من خصومه السياسيين  واستمر الحزب يحكم ألمانيا من ١٩٣٣ حتى ١٩٤٥ و تحولت خيوط قيثارة ذلك الجندي إلى مشانق علّقت للمناوئين وظهر،  وجهه الحاقد بعد أن إنتهت صلاحية أقنعته التي جعلت الملايين تفسح له الطريق ، فبدأ بإكرام جيرانه بغزو بلادهم والسطو على مقدراتهم ، وقتل مثقفيهم كي لا تقوم لهم قائمة .
إن وصول هتلر لأعلى السلطة أمرٌ يتحمّل مسئوليته كل ألماني أطربته الطائفية وأنغام الإنتقام فكان مشاركاً أصيلاً  في تلك الجرائم و ساهم بصنع ديكتاتور بطش به قبل أن يبطش بأكثر من  50 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية ،ولا يستثنى من تلك الجريمة كل  من تشكك في جدوى الشورى والديموقراطية و ساهم في إعتلاء ديكتاتور يقصي المخالفين رأس سلطتهم ، ولنعلم أن السياسيون وبعض الأحزاب الألمانية قد باعت بلدها ولم يمانعوا أن يكون هتلر في السلطة من أجل كرسي وزارة أو منصب ووجاهة  ،فهل هناك ما نتعلّمه من إفراد الألمان لجندي بكافة السلطات وترك العقول المفكّرة والعلماء الألمان الذين طوروا القنبلة النووية في أمريكا وأنهوا  بها الحرب!؟

نعم ، فلكل من تتراقص في أذنه خطابات السياسيون ، ليتذكر كيف تراقص الألمان على أنغام هتلر،  فلنحذر ممن يطربنا ولنسأل هل ينفعنا؟ والطبيب الناصح لا تعجبنا نصائحه  وقد تؤذينا على المدى القصير ، لكنّها تحافظ علينا ويقال قديما" إسمع لمن يبكيك لا من يضحكك"  ولنتعلّم أن التفرّد بالسلطة هو أشر الشرور ، فلنجعل مكاناً لمن يخالفنا ليصحّ جسد أمتنا ويتعافى ، وأن أشر من اعتلى السلطة من يحمل الحقد في قلبه ولا يتسامح فهو قادر على إنفاذ حقده ، فلنبحث عن تسامحه وإصغائه قبل أن نوصله .
لقد صوّتت ألمانيا الرايخ  Deutsches Reich كما يسميها النازيون في  حالةٍ  من الضعف والفقر والهزيمة والإنكسار ، واختاروا عازف قيثارة يغني لهم  أمجادهم التي حققوها في الرايخ الأول "الامبراطورية الرومانية"  (962-1806) والرايخ الثاني "الإمبراطورية الألمانية الحديثة (1871-1918)"   فوافقوا أن ينشئ لهم الرايخ الثالث لكن قراراتهم تلك قد جعلت إرتفاع مباني ألمانيا العالية تتساوى بارتفاع قبور أولادهم ال7 مليون ألماني الذين قتلوا في حربٍ لم يجدوا فيها نصرا ولا عزا.
عبد الله عبد اللطيف الإبراهيم
boslaeh@

Thursday, March 14, 2013

مسجد أوهامي



فيه ، أقف بخشوع ، لا تشاغلني الدنيا ، أدرك تكبيرة الإحرام في كلِّ صلاة ، وحينما  أنهي صلاتي ، أدور بجسدي صوب جاري المصلّي، لأسلّم عليه مبتسماً ، وأتعرّف عليه ، وقفت أصلّي يوماً فاصطكت قدم جاري  بقدمي ،و أحسست باهتمامه الشديد للإصطفاف ، لقد أراد أن يستقيم للقبلة بعد كل ركعة  ، فصافحته بعد الصلاة ، وسألته عن أحواله ، وسألته عن فعله ، فقال : أريد أن أستقبل القبلة بكل أركاني ، وأريد أن أكون جنديا في صف مستقيم ،أو كصخرة في جدارٍ متسق ، فقلت له ألم: يشاغلك ذلك عن الخشوع ، فأجاب ، بأريحية ، نعم لكنني أعود لخشوعي بعد أن تلتحم قدمك بقدمي لنكون مدفعاً قذيفته الإيمانية لو أطقلت أصابت الكعبة ، فنقوّم إعوجاج أقدامنا لتستقيم ، أعجبني قوله لكنني أردت أن أصحح خطأه فقلت : هل سألت نفسك : لِمَ لم يخلقنا الله مدافع ؟ قال ماذا تقصد؟ ، قلت له : ألم ترى جسدك ، هل تعلم به شيء مستقيم ؟ فأطرق يفكّر ، فقاطعته قائلا: لم  تحمّل نفسك فوق طاقتها ؟ ألا تظن أنك تركت الخشوع وهو لبّ الصلاة وانشغلت في الإعداد للصلاة الذي ينتهي بعد أن تشرع فيها ؟ فقال سأستفتي شيخي، فقلت له مبتسماً لا تنسى أن تستفت قلبك!.
وذات يوم دخلت ذلك المسجد ، فكبّر بالصلاة رجل لم يطفأ هاتفه ، فأخذ يرن ويوقفه ثم يرن أخرى وبعدها يرن ، وفي كل مرة يخرجه من جيبه ليوقف رنينه ، ولينظر لمعرفة المتصل ثم يدخله في جيبه ، وحين سلّم علي صافحته بحراره وكأني أعرفه ،  وبعد أن تعارفنا قلت له : أتقبل النصيحة ، قال نعم وبكل تأكيد ، قلت له : هل الصلاة من المناسك والشعائر ، قال : نعم ، قلت له: هل تريد أن تأخذ أجر تعظيم الصلاة في قلبك ؟ قال : كيف ؟ قلت : أسمعت قول الله " وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"  لو عظمتها لأطفأت هاتفك ، فشكرني وانصرف
وفي ذات المسجد ، كبّرت بصلاة العشاء وكنت جنب الحائط ، فدخل المسجد مصلٍ مستعجل فأراد أن يدرك الركعة، فانحشر بيني وبين الحائط وغمرتني  رائحته   ، فسلمت عليه بعد الصلاة ، وسألته مبتسماً: هل ضاق بك المسجد لتصلّي في موضعٍ يضيق بقط ؟ فضحك وقال : لتكن أريحياً وتوسّع لأخيك المسلم ، ولا تحرمنا من أجر الصف الأوّل !  فقلت له: هل ظننت أنك ستؤذي من يصلي بجانبك برائحة دخّانك ، قال : ممكن ، نعم ، نعم ، ثم قطّب جبينه متحمساً ولكنه لن يمنعني  عن دخول المسجد ، فالصلاة أهم ، قلت له : أتعلم أن الأذى هو الحرام الذي يدخلك النار إن فعلته  أو الجنة إن منعته ؟ قال كيف ؟ قلت ألم تدخل إمرأة النار لأنها كانت تؤذي جيرانها؟ ألم تكن تقوم الليل وتصوم النهار ؟  أولست بجارك  ؟ ألم تعلم أن مومساً دخلت الجنة لأنها رفعت أذى العطش عن كلبها ؟ ،قال سأستفتي شيخي ، فقلت هل أخذت بقوله في الدخان ؟ فابتسم وانصرف
كل هذا حصل لي في مسجد أوهامي ، أما مسجد حقيقة أيامي ، فأنا زعيم المتخلفين عن تكبيرة الإحرام وعن الصلاة، تشغلني الدنيا عن المصافحة فأخرج أطارد مصالحي مستعجلاً ، إلا ماندر ، فإن آذاني من بجانبي أتصبّر حتى تنقضي دقائق الصلاة  ، فلربّما أجر صبري يعوّض تقصيري ، كما أنني أهرب من المناصحة فلربّما أتاني الشيطان فخلطت له نصيحة بتوبيخة  ، إلا ذات مساء ، فحين وقفت أصلي المغرب وقف بجانبي رجل كأنه أغتسل ولم يتنشّف ، يغمر ماء الوضوء رأسه إلى قدميه ، بلل المسجد وبللني ، آذتني تسبيحاته وتكبيراته العالية فهو يصدح بها ، فقلت في نفسي ، هذه المره سأجبر نفسي على إخباره بقول الله  "  ولا تجهر بصلاتك ولاتخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " فرفع يديه يدعو بعد الصلاة مباشرة اللهم إني أعوذ بك من الوسواس و الجنون ، فانصرفت بعد انتظار ، فلم يبق للنصيحة موضع !
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
@BoSlaeh