Monday, May 28, 2012

الدّرس الكبير

منذ أن كان خالداً طفل صغير ، ظهرت عليه علامات النبوغ و النباهة والذكاء ، وأصبح  يقدّر المال جدا ، وقد أعجبه بريقه فعمل بجد واجتهاد ، وتعرّف الى بعض الساسة ، فتفاجئ بسطوة السلطة و سحر النفوذ ، فتقرّب ممن يظنهم كذلك ، وقويت علاقته بهم ، ولأن مزيج السلطة والتجارة غالبا ما ينجح ، فقد توسّع نشاطه وتعاظمت أرباحه .
ولأنجاز أعماله خارج البلاد ، حجز مقعداً في مقدمة الطائرة ، فعلى أرتفاع ٣٠ الف قدم ، حيث يندر الأوكسجين ، وتنخفض الحرارة الى ٥٠ درجة تحت الصفر ، مسح خالد يديه بالفوط الساخنة ، لتبدأ عربات الطعام زيارتها إليه ، تتقدمهم عربة الجبن المجلوب من الريف الفرنسي والزبدة الدنماركية  ، ليلحقهم الزيتون الاسود الاسباني ، والمشروبات المصاحبة ، لكنه يفضل زجاجة الماء من جبال الألب ، وبعدأن  فتحت شهيته للطعام ، سيقت له اللحوم الهولندية ، و سمك السلمون المدخّن  من نهر الدانوب  ، إلا أنه قد إختار لحم  الضأن السويدي المقدد ، فأكثرمنه و شعر بالامتلاء ورغب بالنوم ، ولما أحس بالنعاس داهمته عربة الحلويات ، فجحظت عيناه ، ورغم ثقل بطنه أشار على إستحياء بإصبعه إلى قطعة صغيرة من الحلوى غمرتها الشيكولا الساخنة ، فمدّ يساره ليستلم صحن الحلوى، لكن مضيفته تأخرت عليه بعض الشيئ لتتبع تعليماتها ، فأضافت بعضا من اللوز وقطعة صغيرة من الايس كريم محلاة بطعم الفانيليا ، ولأن النوم قد غالبه ، إلتهمهم بلقمة واحده وتمدد في الكرسي ، و شرع يتذكر لحظات تمرير بطاقته الائتمانية  في جهاز الدفع ، حيث لم تبارحه ذكرى إنخلاع فؤاده بعد ورود إشعار الخصم من حسابه ، فقال بعدها في نفسه  ،إن ما دفعته ثمناً لهذا الكرسي ، قد يفوق ما يقدّم لجميع الركاب من طعام ، ولانه هذه الفكرة أزعجته،  تناساها لينقض عليه النوم ، فانخفضت الاصوات ، وطفأت الانوار ، لكن جاره لم يتوقف يحتسي نبيذه ولم يذق سوى المكسرات ، وكلما فرَغَ كأسه ضرب الجرس وأُعيد ملئه ، وبعد دقائق ،إرتعشت  الطائرة كعصفورٍ خرج من الماء ، وأضيئت الأنوار ، وظهرت علامة ربط الاحزمة ، فعدل كرسيه  وانتظر بترقب ، رجفت الطائرة مرةً أخرى وأخرى وأخرى ، فعلم أنها مطبات هوائية قوية ، وأصبحت الطائرة  مثل قشة في عاصفة ، وتدلت الأقنعة ، وتذكرخالداً فيلماً  شاهده من أيام ، يُشرح فيه أسباب سقوط طائرة نتج عنه ٢٢٠ قتيل ، فتملكه الخوف  ، واستفسر من المضيفة ، وهو يعلم أنها لا تعلم ، لكن هذا كل ما يستطيعه ، وبعدها إستذكر أن رصيدة البنكي في وجهته لم يخبر به أحد ، وأن كل ما عاناه سيكون لقمة سائغة لهم ، لا يدري ما يفعل ، يسمع أصوات الهلع ، وصراخ الاطفال من خلفه ، نظر إلى من بجانبه فإذا به قد أفرط في الشراب ، وبدأ يغني ، أعلن قبطان الطائرة أنها مطبات هوائية  وسيخبرهم بالجديد في حينه ، إقتلع هاتف الطائرة ومرر بطاقته ، واتصل بصديقه الوزير ، قال أنا في الطائرة وأريد أن أعرف الخبر ، رد عليه صديقه ، أعطني ساعة لأحقق في الموضوع ، رد قائلا: ومن أين آتيك بساعة قلبي سيتوقف ! ، قال له الوزير: أنا سأتصل بك حين أحصل على المعلومة ، ردغاضبا : أتسخر مني ، أعتذر الوزير مقهقها ، أعذرني والله لم أقصد السخرية ، وأغلق الخط ، إنخفضت الطائره في مطب هوائي إنخفاضٍ طويل مريع ، تعلق قلبه في حنجرته ، حينها إلتفت جاره إليه وسأل خالد:  ما الامر ؟ قال خالد: مطبات هوائية ، قال ، أنا كثير السفر ، هذه ليست مطبات ، هذه سقطات هوائية  ، إنه أمر كبير ياسيدي ، توسعت مقلتا عينيه ، حين رأى علامات الخوف في عيون من لا يمكن له أن يخاف لغياب عقله  ، عادت المطبات القوية ثانية ، نظر من النافذة وأذا الارض قد بانت من بعيد ، فقد إنخفضوا كثيرا ، عاود الاتصال بصديقه ، فرد عليه ، سيدي سأصدقك الخبر ، أنتم عالقون في عاصفة لا يستطيع القبطان أن يغير إتجاهه لانكم ستتحطمون في محاولة الخروج منها ، عليكم الانتظار نصف ساعة أخرى ، الله معكم ، وبانتهاء المكالمة انقلع قلبه بانخفاض جديد ، يسمع فيه دوي محركات الطائرة التي تعمل في إنعدام الهواء بلا فائدة ، لكن دوي نبضات قلبه كان أقوى، غسل جار خالد وجهه ويديه ، ثم رفع يديه يدعوا ، لا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، أشهد أن لا إلاه إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، ثم يعيد ويكرر ، ردد خالد الشهادتين ، شرع يستغفر ، ثم ينظر الى جاره ما يفعل ويقلده ، توقف جاره عن الاستغفار قائلا : ربي أعلم تقصيري في حقك وأعلم ذنوبي التي ملئت السماء والارض ، أسألك بكفالتي للايتام أن تنجيني من هذه ، تعجّب خالد كيف يخاطب جاره ربه ، لكنه قال في نفسه ، لو أنني أحسنت الى أحد وطلبت منه ردّ الجميل لما إمتنع  ومن المنطق أن أسأل الله بأعمالي الصالحة أن ينجيني ، تذكّر خالد أعماله الطيبة ، فلم يتذكّر منها شيئ ، حاول وحاول وحاول ولم يجد ، رفع خالد يديه الى السماء وقال : اللهم إستجب لجاري ، وحين وصلت الطائرة الى وجهتها آمنه ، طلب جاره كأسين ، وقال لخالد إحتفل معي بسلامة الوصول ، إعتذر خالد ولكن جاره أصر ، جامله بشرب رشفة قائلا في نفسه "لقد تعلمت الدرس الكبير ، لن أضع مالاً خارج بلدي " .




عبدالله عبداللطيف الابراهيم

Wednesday, May 16, 2012

ملحمة الحياة الصادقة




للأفلام سحر يتذوقه الكثير ، نجلس بترقّب ، ونستمع ونشاهد بتركيز ، ثم نندمج بلا إدراك ، تسترخي أجسادنا على الأرائك ، لتنطلق عقولنا في رحلة مشوّقة  , نشتم فيها سحر القَصص ، الذي طالما شممناه صغاراً ، لكن تعب الحياة يجعل متعته أعظم  ، ورغبتنا في العودة إليه ألح ، فتجذبنا قوة الكلمة و يدهشنا خيال الكاتب ويبهرنا أداء الممثل ولمسة المخرج ، ننظر في الساعة ، فنجد عقاربها تقفز بسرعة ، ونريد لها أن تبطئ أو تتوقف ليستمر شعور المتعة أكثر و أكثر، لكن إحساسنا بالوقت ينتهي بعد النظر الى الساعة ، و نعود للمشاهدة فلا نشعر بمرور الوقت ، فأزمنتنا تتغير الى زمان القصة و نحلّق بأرواحنا الى مكانها ، وللأسف ينتهي الفيلم بانتهاء القصة ، لتنتهي رحلتنا الجميلة بهبوط مزعج لطائرة المتعة في مطار الواقع .
وبالرغم من جمال الرحلة ، الا أن الغريب والمحير أن الافلام تمتعنا وهي  أكذب بقعة على هذه الكرة ، فما يقال ، هو محض إفتراء ، فهذه المشاعر لا يشعرون بها ، ولو بحثت عن كلمة صدق فقد تعجز ، وترى الممثل يقسم وهو كاذب ، ويكره وهو يحب ، ويحب وهو كاره ، وتجده  خائفا مرتعداً لكنه آمن ، والعجيب أننا نريد منهم أن يكذبوا أكثر وأكثر  ، لأن هذا الزيف أجمل من الواقع ، ونقول عنه " كذبٌ بالتراضي وبلا ضرر"  ، لكنه سقف الكذب الاعلى الذي لا يمكن لأحد أن يكذب شراً منه ، ولن نجد حبكةً مفبركةً تنطلي علينا أفضل منها.
وكما أن الكذب درجات ، فكذا الصدق درجات ، وأولها  قول الحقيقة الناقصة أو المجتزأة ، فهذا المتحدّث يقتلع الاجزاء التي لا تناسبه ويلونها بلون مصلحته المناسب ، لكنّها بوصف أدق نكهة الكذب المفضلة ، فمن يسمعه سيفهم معاني كثيرة ، الا أن الحقيقة الكاملة ، ليست من تلك المعاني التي ستصل له  ، ولكن  هناك من الناس  من يحب أن يصعد في درجات الصدق درجة درجة ، فهم من يعلمون حقيقة مراقبة ربهم لهم ، ويعلمون أنه هذا الاختبار من الله ، ورغم أن أشكال الاختبار تختلف الا أنها تتشابه ، فهي إما مصلحةٌ في الدنيا أو مصلحةٌ في الآخرة فأيهما يختار ، ومن يختار مصلحة الدنيا فإن  ثقته بالله ضعيفة ، فهو لا يثق أن كل الخير مع الدرجات الأعلى للصدق لأنها تقوده الى القرب من ربه فهو يعلم السر وأخفى ،  ولأترككم مع الصدق ليحدثكم عن نفسه :
" أنا جمال الحب الصادق ، وجوهر الأخوة الصادقة ، أنا سقف المشاعر الأعلى فإنها إن صدقت ارتفعت ، وجميع  الخلق إذا صدق سمى ، أنا أجمل المناظر وأحلى اللوحات ، من يصاحبني ، تصاحبه أعلى المقامات؟ أنا أولد معكم وتتركوني ، هل سألتم طفلاً عن خطئه وكذَب ؟  ألست أنا سر جمال طفولته وبراءتها ؟ ، هل تتضايقون من  الابتسامة الصفراء ؟ أوليس غيابي عنها سبب قبحها  ؟  ألست أنا خلف سحر الابتسامة  الجملية ؟  إذا صدقك عدوّك ستشعر باحترامه ولو أبقيت عداوته ، الست من زيّن الأعداء؟،  أنا من أوصلت الصدّيقين مرتبتهم ، وأنا سفينة الخير في طوفان الكذب ، أحمل  الصادقين الى موانئ النجاة ، سأتخطى بهم عالي الامواج  إن وثقوا بالله ، ولن يجرفنا تيار الكذب فنحن في حفظ الله ، كم راكبٍ معي أرهقته رياح الكذب فتشكك من الوصول فقفز وانتهى الى موانئ الكذب  ، وسأعترف لكم قبل أن أترككم  ، أن الصادقين يطمحون للوصول الى مرتبة الصديقين ، وهي أعلى مقامات الصدق ، وللأسف الكثير منهم ، تنتهي أيامهم قبل الوصول ، ويبقى موتهم متوجهين الى رضا ربهم ، هو  الشرف العظيم  ١   "


١* مقتبسة من الشيخ ناصر الدين الالباني بتصرف




عبدالله عبداللطيف الابراهيم

Saturday, May 12, 2012

الدّرس الكبير

منذ أن كان خالداً طفل صغير ، ظهرت عليه علامات النبوغ و النباهة والذكاء ، وأصبح  يقدّر المال جدا ، وقد أعجبه بريقه فعمل بجد واجتهاد ، وتعرّف الى بعض الساسة ، فتفاجئ بسطوة السلطة و سحر النفوذ ، فتقرّب ممن يظنهم كذلك ، وقويت علاقته بهم ، ولأن مزيج السلطة والتجارة غالبا ما ينجح ، فقد توسّع نشاطه وتعاظمت أرباحه .
ولأنجاز أعماله خارج البلاد ، حجز مقعداً في مقدمة الطائرة ، فعلى أرتفاع ٣٠ الف قدم ، حيث يندر الأوكسجين ، وتنخفض الحرارة الى ٥٠ درجة تحت الصفر ، مسح خالد يديه بالفوط الساخنة ، لتبدأ عربات الطعام زيارتها إليه ، تتقدمهم عربة الجبن المجلوب من الريف الفرنسي والزبدة الدنماركية  ، ليلحقهم الزيتون الاسود الاسباني ، والمشروبات المصاحبة ، لكنه يفضل زجاجة الماء من جبال الألب ، وبعدأن  فتحت شهيته للطعام ، سيقت له اللحوم الهولندية ، و سمك السلمون المدخّن  من نهر الدانوب  ، إلا أنه قد إختار لحم  الضأن السويدي المقدد ، فأكثرمنه و شعر بالامتلاء ورغب بالنوم ، ولما أحس بالنعاس داهمته عربة الحلويات ، فجحظت عيناه ، ورغم ثقل بطنه أشار على إستحياء بإصبعه إلى قطعة صغيرة من الحلوى غمرتها الشيكولا الساخنة ، فمدّ يساره ليستلم صحن الحلوى، لكن مضيفته تأخرت عليه بعض الشيئ لتتبع تعليماتها ، فأضافت بعضا من اللوز وقطعة صغيرة من الايس كريم محلاة بطعم الفانيليا ، ولأن النوم قد غالبه ، إلتهمهم بلقمة واحده وتمدد في الكرسي ، و شرع يتذكر لحظات تمرير بطاقته الائتمانية  في جهاز الدفع ، حيث لم تبارحه ذكرى إنخلاع فؤاده بعد ورود إشعار الخصم من حسابه ، فقال بعدها في نفسه  ،إن ما دفعته ثمناً لهذا الكرسي ، قد يفوق ما يقدّم لجميع الركاب من طعام ، ولانه هذه الفكرة أزعجته،  تناساها لينقض عليه النوم ، فانخفضت الاصوات ، وطفأت الانوار ، لكن جاره لم يتوقف يحتسي نبيذه ولم يذق سوى المكسرات ، وكلما فرَغَ كأسه ضرب الجرس وأُعيد ملئه ، وبعد دقائق ،إرتعشت  الطائرة كعصفورٍ خرج من الماء ، وأضيئت الأنوار ، وظهرت علامة ربط الاحزمة ، فعدل كرسيه  وانتظر بترقب ، رجفت الطائرة مرةً أخرى وأخرى وأخرى ، فعلم أنها مطبات هوائية قوية ، وأصبحت الطائرة  مثل قشة في عاصفة ، وتدلت الأقنعة ، وتذكرخالداً فيلماً  شاهده من أيام ، يُشرح فيه أسباب سقوط طائرة نتج عنه ٢٢٠ قتيل ، فتملكه الخوف  ، واستفسر من المضيفة ، وهو يعلم أنها لا تعلم ، لكن هذا كل ما يستطيعه ، وبعدها إستذكر أن رصيدة البنكي في وجهته لم يخبر به أحد ، وأن كل ما عاناه سيكون لقمة سائغة لهم ، لا يدري ما يفعل ، يسمع أصوات الهلع ، وصراخ الاطفال من خلفه ، نظر إلى من بجانبه فإذا به قد أفرط في الشراب ، وبدأ يغني ، أعلن قبطان الطائرة أنها مطبات هوائية  وسيخبرهم بالجديد في حينه ، إقتلع هاتف الطائرة ومرر بطاقته ، واتصل بصديقه الوزير ، قال أنا في الطائرة وأريد أن أعرف الخبر ، رد عليه صديقه ، أعطني ساعة لأحقق في الموضوع ، رد قائلا: ومن أين آتيك بساعة قلبي سيتوقف ! ، قال له الوزير: أنا سأتصل بك حين أحصل على المعلومة ، ردغاضبا : أتسخر مني ، أعتذر الوزير مقهقها ، أعذرني والله لم أقصد السخرية ، وأغلق الخط ، إنخفضت الطائره في مطب هوائي إنخفاضٍ طويل مريع ، تعلق قلبه في حنجرته ، حينها إلتفت جاره إليه وسأل خالد:  ما الامر ؟ قال خالد: مطبات هوائية ، قال ، أنا كثير السفر ، هذه ليست مطبات ، هذه سقطات هوائية  ، إنه أمر كبير ياسيدي ، توسعت مقلتا عينيه ، حين رأى علامات الخوف في عيون من لا يمكن له أن يخاف لغياب عقله  ، عادت المطبات القوية ثانية ، نظر من النافذة وأذا الارض قد بانت من بعيد ، فقد إنخفضوا كثيرا ، عاود الاتصال بصديقه ، فرد عليه ، سيدي سأصدقك الخبر ، أنتم عالقون في عاصفة لا يستطيع القبطان أن يغير إتجاهه لانكم ستتحطمون في محاولة الخروج منها ، عليكم الانتظار نصف ساعة أخرى ، الله معكم ، وبانتهاء المكالمة انقلع قلبه بانخفاض جديد ، يسمع فيه دوي محركات الطائرة التي تعمل في إنعدام الهواء بلا فائدة ، لكن دوي نبضات قلبه كان أقوى، غسل جار خالد وجهه ويديه ، ثم رفع يديه يدعوا ، لا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله ، أشهد أن لا إلاه إلا الله ، وأشهد أن خالد رسول الله ، ثم يعيد ويكرر ، ردد خالد الشهادتين ، شرع يستغفر ، ثم ينظر الى جاره ما يفعل ويقلده ، توقف جاره عن الاستغفار قائلا : ربي أعلم تقصيري في حقك وأعلم ذنوبي التي ملئت السماء والارض ، أسألك بكفالتي للايتام أن تنجيني من هذه ، تعجّب خالد كيف يخاطب جاره ربه ، لكنه قال في نفسه ، لو أنني أحسنت الى أحد وطلبت منه ردّ الجميل لما إمتنع  ومن المنطق أن أسأل الله بأعمالي الصالحة أن ينجيني ، تذكّر خالد أعماله الطيبة ، فلم يتذكّر منها شيئ ، حاول وحاول وحاول ولم يجد ، رفع خالد يديه الى السماء وقال : اللهم إستجب لجاري ، وحين وصلت الطائرة الى وجهتها آمنه ، طلب جاره كأسين ، وقال لخالد إحتفل معي بسلامة الوصول ، إعتذر خالد ولكن جاره أصر ، جامله بشرب رشفة قائلا في نفسه "لقد تعلمت الدرس الكبير ، لن أضع مالاً خارج بلدي " .




عبدالله عبداللطيف الابراهيم

Saturday, May 5, 2012

ربنا يُؤَمنُنا

إذا علا موج المصائب ، وتمايلت بك السفن ، فادعوا الله مخلص ، فإنه منجّيك لا شك في ذلك ، وإن أظلمت الليالي ، وعصفت الرياح ، وجحظت العيون ، وغزاك الهلع ، فاستمسك بالذي هو خير فانه الركن المتين وهو الملاذ والمأمن ، وإن داهمك الخوف فلابد لعقلك  أن يميل  ، فبعد أن إجتمعت حكمته تتفرق ، ويزيغ بصرك ، وينعقد لسانك وتخونك أفعالك ، لكن الحي الذي لايموت باقٍ ،  فمن يعتصم بالركن الشديد لا يضام ، لكن لنخلع الخوف يتوجب البحث عن أسباب الاطمئنان ، ولا أعظم من معرفة إسم الله المؤمن والذي من معانيه تأمين الخائف ، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )  ومن أراد يطمئن في ظل الفزع فليفهم قول الله عز وجل عن من يحفظ بنوا آدم ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) وهذه المعقبات هي ملائكة تصاحبنا حيثما كنّا ومهمتها أن تحفظنا بأمر الله ومن أمر الله فكل ما يصيبنا هو أمره ، وكل ما تحفظنا عنه هو من قدره ،  فتحفظنا إن أراد الله لها ذلك  ، وتتعاقب علينا وتتبدل في اليوم والليلة ، وقد أرشدنا محمد صلى الله عليه وسلم باحاديث عظيمة إن فهمناها ووعيناها وعرفنا أن الله يحفظنا بسببها تمسكنا بها ، ولن يصيبنا شي ما قلناها وأيقنا معها بقدرة الله علينا ،ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ : أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم (2709) ، كما روي ( خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . فَقَالَ : قُلْ . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : قُلْ . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) وهذا الحديث سناده صحيح فلا تفوتوا المعوذات ، وهذا سيدنا عثمان رضي الله عنه يروي عن النبي يقول : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ) وقَالَ : فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا . رواه أبو داود ، ورواه الترمذي : وآخر حديث أختم به هو ما رواه سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه حين جاءه رجل فقال : يا أبا الدرداء ! قد احترق بيتك . قال : ما احترق ، الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك ؛ لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح : ( اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم ) رواه ابن السني ،  وهذه الاحاديث  ، تذكرنا أن التوكل موضعه القلب ، فحين تحرك شفتيك ولسانك ، فحرك قلبك بالتوكل ، وأن الملك لله ، و الموت والحياة بيد الله ، وأن حفظك لا يكلف الله شيئا !




عبدالله عبداللطيف الابراهيم