Wednesday, December 30, 2015





حق الأرض



عبدالله عبداللطيف الإبراهيم

نشر في : 30/12/2015 12:00 AM

انطلق جنوبا غرب بلاد المغرب متجها إلى موريتانيا ومن بعدها إلى غينيا ، ثمّ اركب البحر واعبر المحيط الأطلسي منطلقاً من غينيا متجهاً غرباً، ستتوقف في شواطىء بلدٍ  تدعى ”غايانا الفرنسية “ حيث ستكون أولى محطات رحلتك في  أمريكا الجنوبية، الكثير من العرب لا يعرفون ذلك البلد الصغير،  لكنهم يعرفون جيداً عاصمة ذلك البلد، حيث إن اسمها تحمله سيارة البورش ذات الدفع الرباعي ” كايينا “.

"كايينا" تتبع الحكم الفرنسي، وسكانها الربع مليون هم فرنسيون ويحملون الجنسية الفرنسية، وفي ذلك البلد الصغير وقبل ٦١ عاماً ولدت وزيرة العدل الفرنسية "كريستين توبيرا"  وترشّحت الوزيرة بتزكية رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق جان مارك، كريستين لا تمت له بقرابة فهو ذو شعر أشقر وهي من أصول أفريقية، إلا أن إسهاماتها الفكرية ودورها في البرلمان الفرنسي وفي البرلمان الأوربي هو الذي شجَع  رئيس الحكومة الفرنسية ليضمّها في فريق حكومته وأصبحت كريستين  وزيرة العدل في العاصمة الفرنسية ، فالديموقراطيات العريقة تعلم جيداً أن الوزراء هم  لاعبو الكرة غالين الثمن في فريق يريد الفوز في خدمة الوطن, والوزير غير الكفئ هو لاعب رخيص يجيد فتح الثغرات لا إحراز الأهداف.
منذ تولي الوزيرة لتلك الحقيبة والتحديات الكبيرة تتوالى عليها وعلى الحكومة الفرنسية, فالهجمات الإرهابية التي قتلت المئات من الفرنسيين ونشرت الذعر في كل أنحاء فرنسا هو أمر لم يعهده الفرنسيون، كما أن منفذي الهجمات هم من المسلمين، وقد تجاوز عدد المسلمين في فرنسا ٦ مليون من أصل 65 مليون فرنسي والتعامل مع الإرهابين يحتاج الكثير من الحكمة والتعقل.

في شهر ديسمبر ٢٠١٥ أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها تعديل الدستور بحيث يحق للحكومة سحب جنسيات المدانين بالإرهاب وإن كانوا فرنسيين بالمولد، لكن الوزيرة توبير أبدت معارضتها لرئيس فريقها معللةً أن سحب الجنسية حساس للغاية، وليس له  فاعلية في مكافحة الإرهاب، وأن إسقاط الجنسية عمن ولدوا في المجتمع الفرنسي منذ ميلادهم سيخالف المبادئ الأساسية للإنسان في "حق الأرض".

لم تنته مداولات مشروع الحكومة الفرنسية داخل أروقة الحكومة ، ولا في البرلمان الفرنسي، لكن الشعب الفرنسي يملك مفاتيح الحل، فالعقول الناضجة  الغير متسرعة موجودة في الحكومة و البرلمان، والانتصار على الإرهاب وعلى باقي المشكلات ليس سوى مسألة وقت .

فرنسا هي أولى الديموقراطيات، ولن يتيه الفرنسيون في معرفة أن مريض السكر لا يعالج بأكل السكر ، وأن مريض الضغط لا يعالج بأكل الملح، وسيدركون لا محالة أن الإرهاب لا يعالج بالإرهاب والترهيب، بل هو الحزم والترغيب، وأيما كانت المشكلة لديهم أو لدينا،  فلا يجوز أن يقتلع بشرٌ من أرضه ويصبح حقه في الدفن فيها مقدّماً على حقه في العيش عليها.

                                    عبدالله عبداللطيف صالح الأبراهيم

@BOSLAEH. 

Wednesday, December 2, 2015

الصيام عن الكراهية








 الصيام عن الكراهية

نشر في : 30/11/2015 12:00 AM



صيام رمضان ليس بالأمر السهل في هذه السنين، فالدانمركيون صاموا 21ساعة، والإرجنتنيون «الأقل»، صاموا تسع ساعات ونصف الساعة، لكن حرارة الخمسين المئوية تجعل الخليجيين (15ساعة) مؤهلين ليكونوا أشد الصائمين إجهاداً وتعباً.
الصيام في يوليو وأغسطس ليس بالأمر الميسر، لكن الصيام عن الكراهية هو الأشد والأصعب، فأحوالنا، ونزاعاتنا، وحروب عالمنا العربي قد اوجدت نزاعاً على السلطة، لكنها أصبحت حروباً طائفية وكراهية تمنعنا عن الصوم عن الكراهية، لنضف على ذلك ما تحتويه هواتفنا من رسائل ومواد اعلامية بنكهة الكراهية، ففكاهاتنا وطرائفنا وتعليقاتنا أصبحت مثل بعض القنوات التلفزيونية الطائفية، فكيف لا تزل أقدامنا ونجاهر بالإفطار؟!
الكراهية أصبحت معلماً من معالم المسلمين اليوم، فهي صبغة الطوائف وألوان التوجهات السياسية، ورائحة العرقيات. فلم نعد نستغرب أن يكره شخص بسبب اسمه، أو رسمه، أو خاتمه، أو حجاب زوجته. ومن الممكن جداً أن يبغض كونه فشل في أن يثبت أنه متقارب مع من يتعامل معه، ونجد أن بعض المسلمين يصون لسانه عن الآخرين، بينما يطلق لسانه على طوائف المسلمين، ألا يعلم أننا وباقي الطوائف نركب ذات السفينة، وحين يزيد الحفر سنغرق جميعاً؟!
يبدو أن الكثير منا لا يعي ما تستطيع فعله تلك المواد الإعلامية، التي يعاد إرسالها، فقبل أقل من خمس وعشرين سنة قامت بعض القنوات الإذاعية في رواندا ببث رسائل طائفية ــ مواد صوتية ــ تحرض أبناء جماعة الهوتو ضد جماعة التوتسي، كانت نتيجة إعلام الكراهية والحقد قيام حرب إبادة، انتهت بما يقارب من مليون قتيل، فهل استفادت رواندا؟ وهل استفاد أي من الروانديين من بث الكراهية؟ 
اعتذر عن المواد الإعلامية التي عبرت أجواء هاتفي، بالرغم من عدم سماحي لها بالهبوط، فضلاً عن الإقلاع، فأنا مقتنع أن في كل الطوائف عقلاء، وإصلاح الخلل يكون بالجلوس معهم ومحاورتهم، فليأخذوا بأيديهم على من أساء منهم، وليس بالإفطار على أعراضهم، وصدق من قال: «صوموا تصحوا».

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم

كتاب التوازنات الخمس




سيئة الذكر





سيئة الذكر

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 11/10/2015 12:00 AM

حين تركب القطار بين مدينة ميلان الإيطالية و مدينة  ولوزرن السويسرية ستعلم أن القطار يتوقّف  عن مالايقل عن ١٥  محطة ، في المسافة التي تتجاوز ال 300 كيلو متر، فبين تلك المدينتين تقبع سلاسل جبال الألب التي تتناثر بها القرى وتقف عندها القطارات .

بحثت عن قطار يحملني أنا ومرافقي بين تلكما المدينتين  دون عناء حمل أمتعتنا وتغيير قطاراتنا ,  وبعد البحث ، حصلت على قطار يربط المدينتين دون توقف ، لكن هذا القطار لا يتكرر إلا مرة أو مرتين في الأسبوع ، و لفرحتي باكتشاف مطلوبي ،  أعدت ترتيب سفرتي لأحظى به ، وبعد أن وضعنا أمتعتنا وانطلقت رحلة الخمس الساعات ، بدأت علامات الضجر تتوالى على قسمات مرافقي ، فهذا القطار ليس فيه مكان لغير المدخنين ، وليس فيه محطة يتوقّف فيها !.


  تجاهل مرافقي  القطار المريح جداً ، والمناظر الخلابة ، والجو الخريفي البديع ومصبّات مياه الثلوج وهي تسيل من رؤوس الجبال ، تجاهل  البجع والأوز والبط الذي يتطاير من بحيرات تلك الجبال ، ليطأطأ رأسه منزعجاً من حرمانه سيجارته ، فألقيت نظرة متأملة في حاله و تأملت ما تفعل به سيجارته ، فوجدت مشاعره كمشاعر مسجون ينظر من نافذة زنزانته ، وتساءلت عن قدرة هذه السيجارة على إيذاء مشاعره ورئتيه بتلك الرحلة وفي رحلة حياته  .

شخصياً وجدت المدخنين  يسحبون كرسياً لسيجاراتهم في أغلب مناسباتهم ، فهذا حزن يشكونه لها ، وهذه مناسبة احتفالية والسيجارة أول المدعويين، وهذا موضوع مدهش وليست سوى السيجارة تجعل الإندهاش يبلغ منتهاه ، وهذا موضوع شائك وبانتظار السيجارة لجعله سهل ومفهوم ، فهل فهموا ؟!

قام الباحثين بسؤال المدخنين هل أنتم مقتنعون أن  الأمراض تصيب المدخنين؟ والغريب أن غالبيتهم اعتقدوا أنهم الأمراض تصيب المدخنين ، والأغرب أن الباحثين وجدوهم لا يظنون بإصابتهم  بل يظنون أن المرض سيصيب سواهم من المدخنين !!.


أصاب صديقي إلتهاب الشعب الهوائية  ، وبالنظر لصورة رئتيه وجدت السواد يملئ شعبها الهوائية وذلك بعد تركه للتدخين ب ١٣ سنة ، والمثل قديما يقول لا تخرج فضلاتك في إنائك الذي تأكل فيه ، فليتذكّر كل مدخّن أنه يحتاج رئته ليتنفس أيضاً.

كان التدخين مسموحاً في ديوانيتنا سابقا، وقام (غير المدخّنين ) بإحضار أجهزة شفط الدخان ، ووزعوها على الزوايا لكنّها كانت تحدث ضجّة وصخب، جلس صديقي  بجانب الشفّاط وأشعل سيجارته ، لكنه شدة صوت الشفّاط أزعجه، فقام أطفئه ، فالتفت له وأخبرته عن أضرار التدخين ، ودخلت معه في جدال  وقلت له : ياأخي أنا غير مدخّن ، ألا تخاف على رئتي ؟  فقهقه ضاحكاً وقال لي ممازحا ، هل تتوقّع من شخص لا يهتمُّ برئته الإهتمام برئة الآخرين ، استغرقنا في الضحك ولا أزال اليوم أضحك من فكاهته وصراحته ، وكلّما تذكرت الموقف ،أضحك لكن الحزن يغلبني  فقد خسر رئته في التهاب ، وخسر حياته وهو شاب.


عبدالله عبداللطيف الإبراهيم