Wednesday, December 2, 2015

سيئة الذكر





سيئة الذكر

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 11/10/2015 12:00 AM

حين تركب القطار بين مدينة ميلان الإيطالية و مدينة  ولوزرن السويسرية ستعلم أن القطار يتوقّف  عن مالايقل عن ١٥  محطة ، في المسافة التي تتجاوز ال 300 كيلو متر، فبين تلك المدينتين تقبع سلاسل جبال الألب التي تتناثر بها القرى وتقف عندها القطارات .

بحثت عن قطار يحملني أنا ومرافقي بين تلكما المدينتين  دون عناء حمل أمتعتنا وتغيير قطاراتنا ,  وبعد البحث ، حصلت على قطار يربط المدينتين دون توقف ، لكن هذا القطار لا يتكرر إلا مرة أو مرتين في الأسبوع ، و لفرحتي باكتشاف مطلوبي ،  أعدت ترتيب سفرتي لأحظى به ، وبعد أن وضعنا أمتعتنا وانطلقت رحلة الخمس الساعات ، بدأت علامات الضجر تتوالى على قسمات مرافقي ، فهذا القطار ليس فيه مكان لغير المدخنين ، وليس فيه محطة يتوقّف فيها !.


  تجاهل مرافقي  القطار المريح جداً ، والمناظر الخلابة ، والجو الخريفي البديع ومصبّات مياه الثلوج وهي تسيل من رؤوس الجبال ، تجاهل  البجع والأوز والبط الذي يتطاير من بحيرات تلك الجبال ، ليطأطأ رأسه منزعجاً من حرمانه سيجارته ، فألقيت نظرة متأملة في حاله و تأملت ما تفعل به سيجارته ، فوجدت مشاعره كمشاعر مسجون ينظر من نافذة زنزانته ، وتساءلت عن قدرة هذه السيجارة على إيذاء مشاعره ورئتيه بتلك الرحلة وفي رحلة حياته  .

شخصياً وجدت المدخنين  يسحبون كرسياً لسيجاراتهم في أغلب مناسباتهم ، فهذا حزن يشكونه لها ، وهذه مناسبة احتفالية والسيجارة أول المدعويين، وهذا موضوع مدهش وليست سوى السيجارة تجعل الإندهاش يبلغ منتهاه ، وهذا موضوع شائك وبانتظار السيجارة لجعله سهل ومفهوم ، فهل فهموا ؟!

قام الباحثين بسؤال المدخنين هل أنتم مقتنعون أن  الأمراض تصيب المدخنين؟ والغريب أن غالبيتهم اعتقدوا أنهم الأمراض تصيب المدخنين ، والأغرب أن الباحثين وجدوهم لا يظنون بإصابتهم  بل يظنون أن المرض سيصيب سواهم من المدخنين !!.


أصاب صديقي إلتهاب الشعب الهوائية  ، وبالنظر لصورة رئتيه وجدت السواد يملئ شعبها الهوائية وذلك بعد تركه للتدخين ب ١٣ سنة ، والمثل قديما يقول لا تخرج فضلاتك في إنائك الذي تأكل فيه ، فليتذكّر كل مدخّن أنه يحتاج رئته ليتنفس أيضاً.

كان التدخين مسموحاً في ديوانيتنا سابقا، وقام (غير المدخّنين ) بإحضار أجهزة شفط الدخان ، ووزعوها على الزوايا لكنّها كانت تحدث ضجّة وصخب، جلس صديقي  بجانب الشفّاط وأشعل سيجارته ، لكنه شدة صوت الشفّاط أزعجه، فقام أطفئه ، فالتفت له وأخبرته عن أضرار التدخين ، ودخلت معه في جدال  وقلت له : ياأخي أنا غير مدخّن ، ألا تخاف على رئتي ؟  فقهقه ضاحكاً وقال لي ممازحا ، هل تتوقّع من شخص لا يهتمُّ برئته الإهتمام برئة الآخرين ، استغرقنا في الضحك ولا أزال اليوم أضحك من فكاهته وصراحته ، وكلّما تذكرت الموقف ،أضحك لكن الحزن يغلبني  فقد خسر رئته في التهاب ، وخسر حياته وهو شاب.


عبدالله عبداللطيف الإبراهيم  

No comments:

Post a Comment