Tuesday, April 16, 2013

خفايا التحايا



* أعاصير المشاعر و هيمنة عقولنا وطبيعتنا البشرية قد تجعل  السلام على الغير مهمّة شاقة ، ورفع اليد بالتحية معضلة

يعرفوني بالثقة العالية، لكني  شكاك حتى النخاع ، وشكي يبدأ في أفكاري ،  ففحصي لأفكاري  فكرة تلو الفكرة مستمر بلا كلل حتى أطمئن أن أفكاري حقائق صلبة ، وليست تصورات  التي أحرص أن أدفنها وهي حية ،ومن تلك الأفكار ما يصاحب إلقاء التحية ، فحين أحيي أصحابي وأقاربي ، أشعر بسعادة لمبادرتي لهم ، بينما أشعر بثقلٍ في نفسي مع بعضهم  حين  أرفع يدي لأحيي من  لا تربطني بهم علاقة شخصية  أحياناً وأحسُّ بريحٍ عاتية تجتاح مشاعري وتقلّب سكون أفكاري ، وطالما سألت نفسي لماذا يصبح السلام ثقيلاً  علي رغم محبتي للسلام ،و لم أكن أجد الإجابة إلى وقت قريب ، حتى اطلعت على تفسير علمي ساهم في فهمي للسبب، فلأننا نجهل حقيقة مشاعرنا مع من لا نعرفهم جيداً، لانجد سوى أسلوبهم الذي حيّونا به للاسترشاد على حقيقة مشاعرهم ، ولذا نقوم  بتقليد طريقتهم بالسلام علينا ونحاكي مشاعرهم تجاهنا ، فنحن في حالة غموض المشاعر نستعير طريقتهم التي يحييونا بها  ،و نتقمّص مشاعرهم التي يشعرون بها ، ولربّما كان سلامهم مشوباً بابتسامات المجاملة (الصفراء) ، ولربّما كان التلويح باليد يظهر منه ثقلٌ  في النفس  ، ولذا قد نستحضر تلك المشاعر  بطريقة تسيطر عليها عقولنا  اللا إرادية ، أو لربّما شقنا البهيمي .
فالبهائم لا تحيي بعضها البعض ، ولو راقبنا لوجدنا أن البهائم تسيطر عليها مشاعر العدائية حين تلاقي أبناء جنسها ، ولو أخذنا دجاجة غريبة وأدخلناها على الدجاج، لوجدناهم يتناوبون على نقرها، وعدت لنفسي أسألها: كم  أحتاج من الوقت لأتخلّص من بعض صفاتي البهيمية  لأصل إلى إلقاء التحية على من عرفت و من لم أعرف ؟
ورغم أن تلك المشاعر والأفكار لا تزال تزورني، إلا أن مداهماتي للقضاء عليها هي حملة شرسة ، أجبر فيها نفسي  البدء بالتحية وتقديم الإبتسامة ، إلا أنّ البعض يواضب على عدم رد تحيتي له  ، فأحرص  أن أدفن في مقبرة أفكاري تلك الأفكار التي تزورني حين عدم الرد ، وأجبر نفسي على أن لا أفكّر بأسبابهم التي منعتهم من الرد على تحيتي ،  فالكل مشغول والكل معذور كما يقول أبي دائماً ، إلا إني بذات الوقت أمتنع عن السلام عليهم رحمة لهم ، وإعفاءً لهم من مشقة ردهم لسلامٍ ثقيل على أنفسهم .
لكنني أشتاق للشقاوة السابقة ولأمرٍ في نفسي أخفيه  ، فأتأخر بالبدء بإلقاء التحية علي من أحييّهم عادة ،  يدفعني الفضول لمعرفة كيف سيكون سلامهم علي ، وأرقبهم من خلف نظارتي الداكنة ، لأرى من لازمت  البدء بالسلام عليه لسنين طويلة ، تصيبه الحمّى من رفع يده مبتدئاً ، ولربّما رفعها ،لكنه يشيح بوجهه في الجانب الآخر ، كي لا أرى علامات الامتعاض على وجهه ، فكأنه حين يرفع يده بالتحية ، يرفعها مستحضراً خسارته الكبيرة بالسلام علي ، أو مستشعراً  لكرامته التي أهدرت حين يتدنّس مقامه السامي بالنزول إلي ليبادرني التحية  ، هنا أهمس في نفسي" يا مسكين ، والله  لو علمت تكلّفك لبادرتك " .
لكن  دمث الخلق منهم  يبادرني ، تسبق ضحكته تحيته ، ويعتريني الخجل من شقاوتي ، و تعاتبني نفسي بعدها وأتذكّر أن تلك الشقاوة جعلتهم خيراً مني ،  فرغم كل مابي من شكوك ، إلا أنني موقن أن خيرنا هو الذي يبدأ بالسلام . 

عبدالله عبداللطيف الابراهيم

أبراب مخفية



حين تعصف رياح الشتاء الباردة  تجمعنا نارها الدافئة ، وحولها يحلو التسامر ، تمتعنا الكستناء حين تتفقّع ، وشاي يوضع يترقّد ،  وطفلٌ  يظن الجمرة ثمرة ، يركض نحوها  فيبعد ، لكني لا أبعد أطفالي ، فبمجرد أن يبلغ طفلي الحبي ، أمسك يده وأقربها من النار ، ثم أقول له ،أحْ أحْ ، وبعدها أضع يدي علي  إبريق الشاي الصيني الموضوع قرب النار لأتأكّد من حرارته ،وأضع يد طفلي الصغير عليه لتمسّه  حرارته ،  لا تزيد على لسعة الناموس أو النحلة ، لكنني بهذا أنقل ملفاً كاملاً  عن خطورة النّار إلى طفلي الصغير ، وبعدها أقرب يد طفلي ثانية  ، لأراه يسحبها من يدي ، فيطمئن له قلبي في غيابي ، وتنتهي فترة حمايتي له عن النار ، وأتفرّغ لتعليمه غيرها، وتبدأ حمايته لأخوانه وأقرانه ، فتراه يصرخ  لمن يقترب من النار ببراءة واهتمام  شديدين قائلاً  أحْ أحْ.

وكذلك هي الحياة ، بها الكثير من الطرق المختصرة تكفينا عناء تكرار أمور تربوية كثيرة ، وكم أتألم حين أرى بعض المربين من الآباء أو الأمهات يكررون كل يوم ذات الطقوس التربوية ، فهذا يطلب من إبنه أن لا يتخاصم مع  أقرانه ، لكن ابنه يعود للتخاصم ويعود أبوه لزجره ، لكنّ أباه لو علّمه مهارات التعامل مع أقرانه وأن من فوائد التسامح  والتغاضي عن زلاتهم هو محبتهم له وحرصهم على اللعب معه مجدداً ، أو أنه حدّثه أن التنازل عن الحق أنفع من التمسّك به  لوجد طريقاً مختصراً يخرج به من دوّامة الطقوس التربوية  ، وبعدها يتفرّغ أباه ليعلّمه مهارة جديدة   لكن الكثير لا يبحث عن هذه الطرق يمنعه وهمه وظنونه بعدم وجود طريق أقصر من طريقه ، يقول المفكّر الأيرلندي الحائز على جائزة نوبل في الأدب  برنارد شو ( ١٩٥٠ )  إن أكبر المشاكل هو الوهم الذي يمنعنا أن نرى المشكلة .
  لكنّ تلك الطرق موجودة ،  لا أفتؤ  أبحث عنها وإن لم أجدها، ولا أكلّ  من التفكير بها ، وجدتها في تعليمي صغاري كما وجدتها  في تسبيح ربي الباري ، فحين أسبّحه عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشة ومداد كلامته ثلاثاً ، تفوق تسبيحاتي  تسبيح  من أمضى ساعات الضحى يسبّح كما في حديث أم المؤمنين جويرية .


عبدالله عبداللطيف الإبراهيم