Sunday, October 9, 2016

العرجة


لو بحثت في عقلي وفكري عن معنى التربية لوجدت صورة الطفل الأعرج وأب يصلح له عرجته، وكأي أب أحب أن أرى أولادي عدّائين في هذا المجتمع، وتقوية أقدامهم السليمة لن تجعلهم عدائين، ولذا فإصلاح العرجة هو ما يشغل عقلي وفكري، فإيمانهم بالله الصغير لا يزال يحبو، وعاداتهم الغذائية تعرج، وعالم أفكارهم ومشاعرهم يعرجون، أتابع نقلات خطواتهم وكثيراً ما أفحص عرجتهم بسؤال غير متوقّع، بني: هل تنظر للطعام متعة أم أنّه طاقة؟ فإن كان طاقة لم لا تتوقف بعد التزود بالطاقة؟
فهم تصرّفات أطفالنا لإصلاح عرجتهم هي حرفة يجب اتقانها قبل أن نحسنها، هي حرفة تشابه من يقوم توصيل الجرائد للمنازل في البلاد الاسكندنافية الباردة على دراجة هوائية، يجب أن ننزل من دراجتنا لنصل إلى باب منازل أطفالنا، نحتاج أن نتعلّم عن أطفالنا، وأسبابهم ودوافعهم ونفهم كيف تعمل عقولهم الصغيرة، وبعد ذلك سنحتاج أن نعلّمهم تحت ظروف الحياة اليومية «القارسة» ونتأكد أنهم يقرأون ما نقوم بتوصيله لهم من معلومات قراءة سليمة.
كثيراً ما أكتشف أنني أريدهم أن يتوقفوا عن عادة سيئة وأنا لا أعلم طريقة تكوين العادات في عقولهم، ولذا أتوقّف عن تعليمهم، وأتعلّم طريقة تكوين العادات وطريقة كسر تلك العادات، فتعلّمي هو وسيلتي أو دراجتي التي تنقلني لأبواب منازلهم، أو بمعنى أصح أن أصلح عرجتي قبل أن أبدأ بعرجتهم.
تربية أطفالي أصبحت أمراً معقداً لا يمكن استبدالها بنصائح عامّة، أو حكم منقولة، أو ابتعاد عن متابعة، والبحث عن مبررات مقنعة لأفعالي السيئة، ومن ثمّ التخلّي عن مهمّتي وأمنيتي في الحياة المتمثلة في أن أكون حلقة جيدة في سلاسل البشر الجيدين.
لا أمانع أن يتابع أولادي قنوات التسلية، واستهبالات بعض نجوم شبكات التواصل الاجتماعي، لكنني أعترض كثيراً على أن يكون ذلك الترفيه هو الأمر الوحيد الذي يقضون فيه أوقاتهم، أقول لهم ونحن على مائدة الطعام: لو أخرجنا عالماً شغوفاً من علماء الفيزياء أو الكيمياء توفّي قبل قرون، وأريناه كيف تعمل الشبكة العنكبوتية، فلا أظنّه سيتحدّث معنا بعد أن يتعّلم كيف يبحر فيها، ولو أخطأنا وأعطيناه رمز دخول مكتبة غوغل Scholar – السكولار التي تحوي الأبحاث والأوراق والكتب العلمية، فلربّما قد نكون جنينا على حياته المتبقية، فاحتمال توقّفه عن الطعام وعن الشراب هو احتمال كبير بسبب شدة تعطشه للعلم والمعرفة، فكلّما دعوناه الى الطعام فسيستذكر رحلاته وتعرّضه للسرقة والسلب والنهب في الطريق ليجلس إلى من يملك المعلومة، ويتذكّر رحلاته وشقاءه في الحصول على المعلومة، وها هي العلوم قد حضرت وجلست بين يديه، فهل يتركها ويذهب للطعام؟
ملاحقاتي «الناعمة» لعرجتهم لا تتوقّف، فعقولهم تتبع القيمة الأعلى، وأنا أقلل من قيمة التفاهات التي لن تنفعهم، هذه تجربتي ومعاناتي الشخصية أنقلها على صفحات الجرائد، ليست نوعاً من الشكوى، وأعلم يقيناً أن جزاء الوالدين هو الجنّة، فلا أحد يشكر والداً على تربية ولده، لكنّى أخاطب مجتمعي الذي قد رعاني صغيرا وأتساءل عن صغاره، من يصلح لهم عرجتهم؟
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
boSlAeh@