Wednesday, May 16, 2012

ملحمة الحياة الصادقة




للأفلام سحر يتذوقه الكثير ، نجلس بترقّب ، ونستمع ونشاهد بتركيز ، ثم نندمج بلا إدراك ، تسترخي أجسادنا على الأرائك ، لتنطلق عقولنا في رحلة مشوّقة  , نشتم فيها سحر القَصص ، الذي طالما شممناه صغاراً ، لكن تعب الحياة يجعل متعته أعظم  ، ورغبتنا في العودة إليه ألح ، فتجذبنا قوة الكلمة و يدهشنا خيال الكاتب ويبهرنا أداء الممثل ولمسة المخرج ، ننظر في الساعة ، فنجد عقاربها تقفز بسرعة ، ونريد لها أن تبطئ أو تتوقف ليستمر شعور المتعة أكثر و أكثر، لكن إحساسنا بالوقت ينتهي بعد النظر الى الساعة ، و نعود للمشاهدة فلا نشعر بمرور الوقت ، فأزمنتنا تتغير الى زمان القصة و نحلّق بأرواحنا الى مكانها ، وللأسف ينتهي الفيلم بانتهاء القصة ، لتنتهي رحلتنا الجميلة بهبوط مزعج لطائرة المتعة في مطار الواقع .
وبالرغم من جمال الرحلة ، الا أن الغريب والمحير أن الافلام تمتعنا وهي  أكذب بقعة على هذه الكرة ، فما يقال ، هو محض إفتراء ، فهذه المشاعر لا يشعرون بها ، ولو بحثت عن كلمة صدق فقد تعجز ، وترى الممثل يقسم وهو كاذب ، ويكره وهو يحب ، ويحب وهو كاره ، وتجده  خائفا مرتعداً لكنه آمن ، والعجيب أننا نريد منهم أن يكذبوا أكثر وأكثر  ، لأن هذا الزيف أجمل من الواقع ، ونقول عنه " كذبٌ بالتراضي وبلا ضرر"  ، لكنه سقف الكذب الاعلى الذي لا يمكن لأحد أن يكذب شراً منه ، ولن نجد حبكةً مفبركةً تنطلي علينا أفضل منها.
وكما أن الكذب درجات ، فكذا الصدق درجات ، وأولها  قول الحقيقة الناقصة أو المجتزأة ، فهذا المتحدّث يقتلع الاجزاء التي لا تناسبه ويلونها بلون مصلحته المناسب ، لكنّها بوصف أدق نكهة الكذب المفضلة ، فمن يسمعه سيفهم معاني كثيرة ، الا أن الحقيقة الكاملة ، ليست من تلك المعاني التي ستصل له  ، ولكن  هناك من الناس  من يحب أن يصعد في درجات الصدق درجة درجة ، فهم من يعلمون حقيقة مراقبة ربهم لهم ، ويعلمون أنه هذا الاختبار من الله ، ورغم أن أشكال الاختبار تختلف الا أنها تتشابه ، فهي إما مصلحةٌ في الدنيا أو مصلحةٌ في الآخرة فأيهما يختار ، ومن يختار مصلحة الدنيا فإن  ثقته بالله ضعيفة ، فهو لا يثق أن كل الخير مع الدرجات الأعلى للصدق لأنها تقوده الى القرب من ربه فهو يعلم السر وأخفى ،  ولأترككم مع الصدق ليحدثكم عن نفسه :
" أنا جمال الحب الصادق ، وجوهر الأخوة الصادقة ، أنا سقف المشاعر الأعلى فإنها إن صدقت ارتفعت ، وجميع  الخلق إذا صدق سمى ، أنا أجمل المناظر وأحلى اللوحات ، من يصاحبني ، تصاحبه أعلى المقامات؟ أنا أولد معكم وتتركوني ، هل سألتم طفلاً عن خطئه وكذَب ؟  ألست أنا سر جمال طفولته وبراءتها ؟ ، هل تتضايقون من  الابتسامة الصفراء ؟ أوليس غيابي عنها سبب قبحها  ؟  ألست أنا خلف سحر الابتسامة  الجملية ؟  إذا صدقك عدوّك ستشعر باحترامه ولو أبقيت عداوته ، الست من زيّن الأعداء؟،  أنا من أوصلت الصدّيقين مرتبتهم ، وأنا سفينة الخير في طوفان الكذب ، أحمل  الصادقين الى موانئ النجاة ، سأتخطى بهم عالي الامواج  إن وثقوا بالله ، ولن يجرفنا تيار الكذب فنحن في حفظ الله ، كم راكبٍ معي أرهقته رياح الكذب فتشكك من الوصول فقفز وانتهى الى موانئ الكذب  ، وسأعترف لكم قبل أن أترككم  ، أن الصادقين يطمحون للوصول الى مرتبة الصديقين ، وهي أعلى مقامات الصدق ، وللأسف الكثير منهم ، تنتهي أيامهم قبل الوصول ، ويبقى موتهم متوجهين الى رضا ربهم ، هو  الشرف العظيم  ١   "


١* مقتبسة من الشيخ ناصر الدين الالباني بتصرف




عبدالله عبداللطيف الابراهيم

No comments:

Post a Comment