Friday, March 30, 2012

عندما نتأذّى

عندما نتأذّى تملأ قلوبنا الجراح ، ونغرق في الدماء ، تزعجنا الذكري ، وتردادها يقتلنا ، نرغب في الانتقام ، من أخذ مالنا ، نتمنى إتلاف ماله ، ومن آذى جسدنا نريد أن نقتص منه ، الانتقام  يشفي جراحنا ، ويداوي أحقادنا .
عندما نتأذى يتوقف العقل وتسيطرعليه مشاعر الغضب ، وأن تطاول من آذانا وكابر ولم يعتذر زاد الاذى أضعاف ، أو لربما أكمل أذاه بقلة أدبه ، هنا يتحول العقل الى لعبة بيد الغضب و تطير بقايا الحِلم و تلتهم نارالغضب بقايا العقل والتعقّل ، وبمرور الايام ، وتعاقب الليالي تنتهي الالام ، وتهدأ العاصفة وويعود العقل ليقيّم الاضرار .
وفي كل الحالات لا يمكن أن نربح ولن تتحقق المكاسب ، فالمشاعر الغاضبة هي تدير الاحداث، تتبعها العقول لتكون المنفّذ لا المقرّر أو المدبّر، وبعد التقييم نجد أن الخسائر كبيرة ، فهذا مسن رفعنا صوتنا عنده ، أو صاحب فارقناه ، أو قريب أغضبناه ، أو مال تعدينا عليه ، أو حق أغتصبناه ، نبرر أفعالنا بتريرات ، تتوافق مع مشاعرنا الغاضبة ، وترفضها عقولنا لكننا نحتال عليها ، لانه يريح نفوسنا ويخفف احتقانها  ، وتدور السنين وتعود الاحداث بالوانها المختلفة ، وتشابهها المفرط ، فكل الاذى تديره المشاعر ، و تضمحل عنده العقول ويتلوث فيه القلب ، نضيع وسط الظلام " ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا "، فشعورنا بالغضب يحفّز فينا التطرف والانتقام ، وظلام ضيق النفس وكدر الاحساس يقيدنا عن النهوض و سواد الانتقام يملأ سما الافكار ، تنطفأ شمعة العقل و نجهل ما يدور داخلننا فيستحيل أن نتعامل مع الخارج والمحيط ، تتراكم تعقيدات الموضوع ، فتغرقنا التفاصيل و نعجز أن نجد المخرج .
ولأن الموضوع فعلاً معقد، يتوجب أن نعرف نقطة البداية التي تخرجنا من الغضب ، ولكي نشعل شمعة العقل يجب أن نبدأ بما يحول دون إشعالها فنزيله فالعقل هو مخرجنا الوحيد لكن ما يمنع عمله  الكثير ، لذلك ندور في دائرة الشر التي يسكب الشيطان عليها زيته ، ليضمن إستمرارها ،فكلما هدئت نفوسنا أعاد الشيطان في نفوسنا أشد ما يأذينا لنتذكره وتدور العجلة ، سألني أحدهم :كيف نفرّق وساوس الشيطان عن حديث النفس ، فعلقت قائلا: إختلف مع صديق أو قريب وراقب وساوسه ، فصوت الوسواس عالي "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا".
فالمخرج هو إزالة كل ما يمنع عقلنا من الإضاءة لنجد الطريق ، وأولها سواد القلب فهو من يقف عائقاً ، ولأننا غالباً لانعترف به لاننا نظن أنه دائم ، فنقول أنه غير موجود لذلك تتعقّد المشكلة ، وهذا السواد هو سواد مؤقت يغلف القلب ويمنعنا من أن نرى النور ، ولذلك جاهد نفسك أن تطهِّر قلبك ، وهذا لا يعني العفو عن من آذانا وإنما تطهير قلوبنا من الأحقاد ، ولأن الشيطان يحسن إستغلال هذه الفرصة فهو يخلط علينا الامور ، وكأن تطهير قلوبنا هو عفوٌ عن المأذي ، لكنه ليس كذلك .
ولنجرب سوياً هذه التجربة ، ولنتعلم عادة جميله ،أغمض عينيك ، وتذكر أشد ما آذاك به المأذي ،نعم الآن أريدك أن تفعلها ، لاتأجلها ، تذكر أشد ما أوذيت به ولا زال يزعجك ، اغمض عينيك عليه ، وتذكره وتذكر مشاعرك نحوه  ،وتذكر المشهد وادعوا للمؤذي ، حرك شفتيك واركل كيد الشيطان "اللهم آغفر له ، اللهم إرحمه ، اللهم ، أعفو عنه "، أدعو له من كل قلبك ليطهر قلبك ، وتنقى سريرتك ،ويرتاح ضميرك ، كررها مراراً حتى تتأكد أن سواد قلبك قد تطاير ، لا تعفو عنه ولكنك ستكون أقرب الى العفو ، و بكل تأكيد ستكون أقرب الى رحمة ربك .






عبدالله عبداللطيف الابراهيم
/boslaeh@

No comments:

Post a Comment