Thursday, June 9, 2016

العفيف اللطيف



مضى عامين على مفارقة أبي لي، ومنذ وفاته وصورته اللطيفة لا تفارقني ، وكأني كنت بعيداً عنه، وبعد وفاته بدءت  طائرتي بالهبوط التدريجي نحوه، وكلّما مرت الأيام، قربت منه أكثر، وتبيّن لي أنني لم أكن أرى عظمته وارتفاعه بسبب بعدي، وكلّما قربت طائرتي منه عظم في عيني وقلبي.

رغم طيب طبعه وحسن معشره ورغبة الكثير بالتقرب منه، الا انه ترك أغلب الأصحاب، ليصاحب مصحفه ويصادق قرآنه، يأنس بمعشره ، ويصغي لحديث ربّه، ويشتاقه إن ابتعد عنه.
لا أزال أتذكر دخولي عليه وهو رافعُ صوته بالقرآن يترنّم بآيات ربّه ، أجلس بجانبه ، فكنت أريده أن أسأله عن أحواله، فيكمل صفحته، ثم يلتفت إلى يحدّثني،  ذات مرة جلست بجانبه فتوقف عند آية،  ثم نظر إلى وقال : انظر يا عبدالله، الله يخاطبنا،  الله يتودد لنا يقول لنا ” ياعبادي “ ثم تغرق عيناه بدموع الفرح بخطاب ربّه، ويكمل قراءته ويعود إلى دفتي مصحفه التين يحيا أغلب أوقاته بينهما، وكنت حينها أتساءل عن معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ” اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي “ لكن أبي فسّره لي دون أن يتحدّث.

حينما نجلس معه نستمع إلى الأخبار، كان يأتي - رحمه الله - بالكرسي ويضعه أمام رقاب وصدور المذيعات ليسترهن ، وحين تتراجع كاميرا التصوير في وضعية ال - زووم أوت - ويتغير مكانهن من التلفاز كان يقوم من مكانه ليصحح موضع الكرسي أو يضع علبة المحارم ليستر رقابهن اللاتي ارتفعت أماكنهن في التلفاز للأعلى أو انخفضن.
وجدني يوما أبي مهموم، فقال لي مابك؟ فأخبرته عن خلاف بين وبين شخص على مبلغ من المال ليس له حق به، لكنّ الأمر تطوّر واشتدت الخصومة، حينها أخبرني، يابني الخلاف الذي تصلحه الأموال هو أمر سهل، لا تتردد في دفع المال، المشكلة الكبيرة هي في الأمر الذي لا يصلحه المال.

في رمضان ، لا يزيد عن تمرات ثلاث يقفز بعدها للمسجد، ليدرك صلاة السنة ويحظى بالصف الاول ، و يعود بعدها لحساءه المفضّل ليجده بارداً ، فالصلاة أحب إليه، وحينما أتيت يوما لأفطر معه ودخلت متأخراً بعد الأذان، فوجدته مستعجلاً عن الباب مغادراً للمسجد، فقبّلت رأسه  وقلت له ما كان يقوله لي في صغري ممازحاً :” أن العجلة من الشيطان “ فأجابني مأدباً  وهو يخطو للمسجد: ” وعجلت اليك رب لترضى “.
عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
@Boslaeh

No comments:

Post a Comment