Thursday, February 16, 2012

حبُّ الله







بعد ولادتنا ، وعند أبتسامتنا الأولى تطايرت آلام ولادة أمنا وأوجاعها وهي تنظر الى ابتسامتنا ، لم يزعجها صراخنا فهو التعبير عن رغبتنا في حُضنها ، ولم يُضجُرها بكائنا، فنحن نريد أن نشرب حليبها .
ولأنها حملت بنا في أحشائها فهي تحبنا ، وترانا قطعة من فؤادها ، ثم كبرنا وكنا لها الولد و الصديق والمعين ، وبعد سنين طويلة ترحل الامهات ، وتسقط آخر أوراق طفولتنا، وقتها يغزونا شعور بالكهولة وبالهرم وكأننا كبرنا مئة عام.
في هذه المسيرة ، من الولادة الى الوفاة ، يغمرنا فيض عطاء أمنا والله سبحانه سابق بالعطاء ، فوجود الأم هي منحة منه ، قبل أن نخلق أعطانا شرف أختياره لنا وتقديره لصورتنا " من نطفة خلقه فقدّره" ثم أكرمناالله بأن نفخ فينا من روحه بعد أن نكون نطفه ثم أكرمنا بسلامة الجسد وسلامة السمع "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " وقال سبحانه " ألم نجعل له عينين ولساناوشفتين" ، أراد أن يطعمنا ويزيِّننا فلم يعطيينا كما كالبشر يعطون وأرسل لنا طعاما يكفينا يوم أو يومين  ولكنه أعطى عطاء الرب فخلق لنا البحر "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجون منه حلية تلبسونها " ويستمر العطاء فيطعمنا كل يوم وإذا مرضنا يشفينا "الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ " ليس هذا فحسب لكنه وصى أولادنا بنا خيراً إذا كبرنا "وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" ،وينهمر العطاء الذي لا يتوقف ، فقد سخر لنا الليل والنهار الشمس والقمر و النجوم لخدمتنا "وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" ويقول سبحانه توضيحا أن الكون عطية منه "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"
رغم هذا العطاء وفيض الكرم "هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب " ، الا أن الانسان يبقي عينيه مفتوحتين الى ما كل مالم يُعطي ويعتبر كل ما أُعطي هو حقه وليس منحة أعطيها ويخاصم من أعطى "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " ، وهذا العطاء لن ينتهي "والذين سُعدوا ففي الجنة خلدين فيها مادامت السموات والارض عطاءًٍ غير مجذوذ" فهل يحبنا ربُّنا ؟ وهل سنرد الحب بالحب ؟ و لمن أراد أن يظهر حبه لربه فليقرأ الحديث القدسي الذي أورده البخاري "ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".






عبدالله عبداللطيف الابراهيم

No comments:

Post a Comment