Saturday, June 16, 2012

ليست المدرسة ٢/١



ذكر روبرت ليسي مؤلف كتاب المملكةنقلاً عن الكولونيل ديكسون ( المعتمد البريطاني في الكويت ) أنه قدّر في ثلاثينياتالقرن الماضي أن ربع من يسكنون في البوادي المحيطة بالكويت ، كانوا يعيشون علىالنوق فقط ، وربع آخر يعيشون على الحليب والتمر فقط ، بينما النصف المتبقي يعيشعلى التمر والحليب والخبز ، ولم يكن حال أهل الضواحي أسعد حظاً من البوادي ، فأهلالبحر كانوا يغيبون في موسم الغوص أربعة شهور ، ليحيوا حياة الكفاف ، وقد يعاودونالغوص في مواسم أخرى مثل موسم الخانجية أو الردة ، لكن بيوتهم الصغيرة نهاراًوالمظلمة ليلاً هي كبيرة بنفوسهم العظيمة ومضيئة بحبهم لبعضهم البعض  ، وحين يخرج الصغار الى الفضاء الواسع (شوارعالحي) تكون لهم الملعب  والمقهى  والتلفاز ، وفي  زاوية الطريق تعقد نشاطات النادي الاجتماعيلأبناء الحي , ولا يشترط الزي الرسمي لحضور مناسباته ، وبعض البقع الصغيرة  ( بحجم كف اليد ) على الثياب أمرٌ مقبولٌ ومتجاوزاًعنه ، ولربما كانت البقعة برهان هذا الصغير على أنهم أكلوا الدجاج المحبب والنادرفيقرب ثيابه ليشتمها (ليشمها) أقرانه ، والجميع بثيابهم علل ، فهذا مرقوع ، وذاك متسخ ، وهذا يلبس ثوب أخيه أو أبيه والأمرفيه سعه، وبالرغم من ضيق الحال ، فأن هذه الشوارع غنية بالقيم ، ففيها تدرَّسالشجاعة ، ويذم الانهزام  في العراك  ، وفيها يدرَّس الصدق ، فالكاذب مهجورومنبوذ ، وفيها يمارس الاحترام ، حيث يطرد من لا يجل الكبير ، ويتزعّمذلك من  يملك صك الزاوية أو ظل تلك الشجرة.
لكن خروج أبنائنا الى الطريق ( اليوم )هو  تذكرة ذهاب وإقامة في السجنالمركزي ، فمن يطلق لابنه العنان بلا رقابة ، فقد يترك الصالحين  و يصاحب مدمناً أو منحطاً ، ثم يتخرج مجرماًفاحشاً وفاشلاً بلا أخلاق ، وهذا يزيد مسؤولية البيت  لبناء التربية الأخلاقية والاجتماعية حيث غاب الشارعالذي كان يبني جانبا من أخلاق الطفل و من شخصيته الاجتماعية وهو ما  أثقل كاهل المنزل  و الأهل .
ومن المضحك المبكي أن ترى من يختصرالتعليم الشاق المرهق ويظن أن الطفل هو دميته التي  هي للممازحة أو ساعة راحته التي هي  للاسترخاء ،  فيبقى ابنه خالياً من المهارات ، وإذا ما أرادأن يعلم طفله فنون الحياة اختصرها بقوله "خلك رجال  " ثم ينتهيدوره بعدها ، و إذا ما كبرالصغير  يختصرتعليم فترة الشباب بقوله "إقعد عدل " أو " قبل رأس عمك "متجاهلا دوره العظيم ، لكن المبكي هنا ، أن هذا الصغير قد لا يحسن صنع شيء لأنه لاأحد يعلمه شيئا ، فلم يرفع المطرقة ، ولم يغل الشاي ، أو أنها لم تغسل الصحون ،فإذا ما دارت رحى السنين وكبروا واضطروا لإطعام أنفسهم ، فإنهم سيشقون شقاء من كان يبحث ويحاول إكتشاف العجلةولنتصور كيف حياته قبلها، لكن الاولاد الذين قد تعلموا كيف تعمل العجلة سابقا،ستحملهم الى أمانيهم لاحقا.


ملاحظة : في الجزء الثاني ، سأتعرض  للتعليم أثناء الحمل ومابعده ودورنا فيه
عبدالله عبداللطيف الابراهيم



1 comment: