Friday, August 10, 2012

سقيا الروح*



* مقال أدبي يحوي وسائل علمية وعملية للتلذذ و التغني بالقرآن.

فنُّ الحديث يحوّل الاستماع الممل الى متعة حقيقية ، وحين يروي بعض المتحدّثين أحداث حياتهم اليومية  ، يشدنا حديثهم فنصغي إلى أدق التفاصيل ، بينما يفشل البعض الآخر في الإحتفاظ باهتمامنا لدقائق ، فقدراتهم القصصية عالية ، إنهم يحبكون أحداثهم بمهارة  و يسردون تفاصيل تناسب من يجالسونهم ويهمّشون بعضها الآخر ، لكنك قد تتفاجأ بنسيجٍ آخر إن استمعت لها مرة أخرى ، وحين يقاطعهم المستمعون و تأتي التعليقات يفسحون لنا مجالاً للمشاركة ، لنعبّر عن آرائنا ويشاطروننا رأيهم، لكنهم يجيدون المداخلة والإمساك بزمام الحديث بانسيابية فائقة ، وبينما تحدثنا شفاههم وألسنتهم ، تتحرك أيديهم لتصوّر بعض الأحداث ،و تراقبنا أعينهم ، لتلحظ علامات الملل على وجوهنا ، فإن وجدوها تسارعت أحداث قصتهم ، وإن لم يجدوها أبطؤوا ليحظوا بآذاننا فترة أطول ، ولعلهم يمزجون الأحداث بنكهة الفكاهة ولعلّهم يقفزون على مشاعر السامعين ليمتطوا صهوة حصان التشويق التي طالما أطعمه السامعون من لذيذ مديحهم وسقوه من سائغ استحسانهم  .
 لكنها تبقى فنون بشرية ، فكيف بحديث ربّ البشر  ، حديث من خلق لنا الألسن ، ورسم لنا الشفاه وصور لنا الآذان  ، فهو من خلق الإنسان وعلّمه البيان ، فخطابه أطيب خطاب و كلامه خير كلام  و قصصه أحسن القصص ، لكننا (نخطئ) فنعجز أن نتدبّر حين نسمع كلام من خلقنا كما نسمع كلام من خالطنا ، فكلام الرحمن  يستقبل بالإيمان وبعدها نتأمل كيف لنا أن نغرف من فيض المنّان ، أما كلام البشر فيناقش ويتحقق منه ويدقق لكننا قد نفعل ذلك مع القرآن ، فتضيع متعة القرآن ، فنحن لا نحتاج أن نفهم كل علوم هذا الكتاب لنتدبّره ونأنس به  - وإن كان التعلم مهم - لكن الإيمان به يكفينا ، ويكفينا أن نعلم من هو قائله ونعلم أنه يخاطبنا ونعلم أن هناك شيئ مشترك بيننا وبينه فقائله وخالقنا واحد  .
 حين نسكب القرآن على عطش أرواحنا ، ستشرق شمسه في صبيحة يوم تدبّرنا، حينها سنجد ثمرة الأنس تنبت في قلوبنا ، إنه أنسٌ  يجمع الأرواح لا الأجساد  بالقرآن  ، فحين يزور آذاننا هذا الضيف الكريم ، فلنسكنه في أوسع  دار من دور قلوبنا ، و لنلقاه بالمحبة فهو رسالة من شقائنا تنجينا ،  ولنكرمه بالتعظيم ، فهو من ملك عظيم ، ونفرش له بساط المحبة ، وبعد أن نكرمه ستلتقي أرواحنا به ، وسيجتمعان فكلاهما من الله ،و في أجمل لقاء  ، سنشعر بجمال الأنس ، وروعة اللقاء ، ستفيض عيوننا بالعبَرات ، و تتجمّد عروقنا من عظمة الآيات وذلك حين تهزّنا آيات العذاب ، لكنها تنساب ، في عبق الرحمات ، وفي وسط زوبعة المشاعر القرآنية من خوف  ورجاء وحب و شوق ،،،  تولد المتعة الكاملة  ، ترفعنا من آدميتنا قليلاً  وتنسينا طيننا  ، فحين نعجز أن نزيد دقيقة واحدة متع أجسادنا ، سيسعد المُوَفّقون في استمرار متعة أرواحهم ساعات  ،  فنعلم أن للروح متعة ويالها من متعة ، ونعلم أن للفضيلة زهاء ونقاء ، أجمل من الثراء ونعلم حينها بركة القرآن فهو طريقنا الوحيد الى الجنان ، فمالنا لا نرى وروده ، ومتعة السير فيه.
يقول البروفيسور جفري لانق- الرياضيات - في كتابه حتى الملائكة تسأل " أنه كان ملحد وأسلم وذلك حين قرأ القرآن - مفسّراً - ورأى دلالات واضحة على صدق هذا الكتاب ، فالمتكلّم ( الله سبحانه ) قد خلا من الزمان والمكان ، ولأن البشر بطبيعتهم مرتبطين بزمان أحداث حياتهم وأماكنها ، فنقول في يوم كذا حدث كذا ، فيقول حين أسلمت حرصت أصلي الفجر والمغرب والعشاء ، في مسجد بعيد عن بيتي  ، فرق قلب إمام المسجد فقال لي :  إن جيران المسجد ، لم يأتوا ، لم لا تصلي ببيتك فأنت بعيد جداً عنّا، كما أنك لا تفهم العربية ، فمكثت أصلي  ، وحين سألني الإمام قلت : هل يفهم الرضيع غناء أمه  فقال : لا ، فقلت له : أنا لا أفهم كلام ربي ، ولكنني أطمئن له  كما يفعل الرضيع حين يسمع صوت أمه " 

"اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ" 

عبدالله عبداللطيف الابراهيم


No comments:

Post a Comment