Friday, September 14, 2012

فراشاتنا المضيئة



قبل أكثر من ٤٠ سنة , وفي بيتا المتواضع  نشأت دون أن أجد ترفيه يقارن بترفيه اليوم ، ولأن والدي - أطال الله في عمره -  يؤمن أن النعم لا تدوم ,  وحين نكثر عليه الطلبات ، كان يقول لنا " إخشوشنوا" وكان يرى كثير من كماليات الحياة آن ذاك ليست ضرورية  ، و حين أصبحت رجلاً  ، مشيت في ممرّ سوق حيّنا، وحين رفعت رأسي أبحث عن شيئ من الحلويات أستبدل به نقودي ، لم أرى سوى أرفف خاوية ، وكأني أراها الآن أمامي  ، ممرٌ طويل خالي سوى من  كرتون الباذنجان البصراوي ، ولا أزال أتسائل لم رفعوه عالياً رغم أن أسفله خالي ، و بالرغم من قلة الطعام آن ذاك لم يرغب أحد بشرائه ، فحينها كنّا في غزو غاشم  لبلدي الحبيب ، وبعد شهور من الخوشنة علمت صدق نبيّنا صلى الله عليه وسلم وصدق أبي معه ، وأيقنت أن النعم زوّالة ، فلم يعد هناك الكثير من خيرات هذا البلد ، لكننى قد  بقيت حياً دون الحصول على كمالياتي ومنها الشيكولا ، وعلمت بعدها  أن الحياة بلا ترفيه وكماليّات ليست قبيحة كما كنت أتصوّر ، لكنّ المحزن في حينه أنني كلما حاولت الحصول على قطعة من الشيكولا الأجنبية بائت محاولاتي بالفشل ، وفي ظل الأيام العصيبة تلك ، بعيداً عن الأمن و بعيداً عن الشيكولا ، فتحت خزانةً في دارنا ، فوجدت ما أبحث عنه  بعيدًا ، وجدته بالقرب من حجرة نومي ، وحين فتحتها  تلألأت كراتين الشيكولا الفاخرة  ، وأتاني شعور وكأنني قد تهت في الصحراء وقبل أن يقتلني حرّ الشمس والجوع العطش وجدت  مصباح علاء الدين لأطلب منه القصر والجواري ، وحين سألت عن مصدره ، عرفت أن نسيبنا - جزاه الله كل خير -  قد جمعهم و غادر مشكوراً دون أن يخبرنا بهم  .
وبعدها ،  جََزَرَتْ المصائب ، و أتانا مدُّ الرخاء ، وما بقي من الخوشنة سوى القليل ، فركبت الطائرة لأرى ما فاتني من بقاع الدنيا وأنظّف بقايا رواسب الخوشنة ، وفي إحدى زياراتي لماليزيا ، ذهبت لأرى حديقة الفراشات المضيئة ، ويالها من زيارة ، إنه نهرٌ يشبه المستنقع ، تجولنا  في أنحائه بقاربٍ ضيق وفي جوًّ رطب نهشنا فيه الناموس نهشاً وكأنه لا يريد أن نستمتع برؤيا هذه الفراشات المضيئة ، وفي الظلام الدامس ، تزيّن النّهر بأضواء الفراشات ، كما تتزين شجرة عيد الميلاد ، وسحرنا بسحر الطبيعة ، فهذه مخلوقات مضيئة  تتطاير وتتحرّك ، وتملأ هذا النهر ضوءاً ، هنا تجدها متجمعة ، وهناك تراها متفرّقة ، وهذه تقف بجانبك ، وتلك تتوهّج ثم تخنس ، وحين قرأت عنهم عرفت أنّهم ينقرضون  ويتناقصون، لا لشيئ سوى التّلوّث الضوئي ، وذلك بسبب المدنيّة ، فهناك الكثير من أضواء المدينة في الليل مما يجعل حياتهم صعبة . 
واليوم وبعد مرور الكثير من  السنوات السمان ، أتذكّر الأيام والليالي العجاف في ردهات أسواقنا ، وكلما نظرت إلى فتياتنا وشبابنا أولاد السنين السمان ، أراهم قد لوّنتهم الأموال ، وزينهم الثراء ، وحملتهم العافية ، أسأل نفسي هل من الممكن أن يروا صندوق الباذنجان البصراوي  ؟هل من الممكن أن تزول النّعم ؟  هل قال لهم أبوهم "إخشوشنوا"؟ ، هل حكى لهم آبائهم عن الخوف والقتل والذل والجوع الذي قد عشناه ؟ هل أدركوا تقلّب الحياة ؟ وظللت حائراً في أسئلة عجزت عن الإجابة عليها ، فالحياة اللتي يعيشونها أرجوا أن تدوم ، لكن سنة الحياة التّغيير ، ولودامت لغيرنا ما اتصلت إلينا ، وعدت وسألت نفسي هل  سيقفون في المطابخ وتبقى أفنيتنا نظيفة إن عُدمنا الخدم ؟  أم سيكونون مثل فراشةٍ مضيئة أدركها الصباح ؟

عبدالله عبداللطيف الابراهيم
@boslaeh


No comments:

Post a Comment