Friday, October 5, 2012

الوردة أو الحديقة


عادةً لا أتناول طول يومي أية وجبة ، لكنني آكل بإسلوب النقنقة ،  وكأنني أُدخل معدتي لقيمات بين الفينة والأخرى ، دون أن أحدث ضجة في معدتي ، ففي معدتي تنّين لا أريده أن يجوع فيستيقض من نومه فحين يجوع ، يخرج رأسه من فمي ثم ينفخ ناره فيحرق الطعام الذي أمامي - بالطبع ، أنا لست متهم بما هو يأكل فهو المتسبب - ، و حين يأتي المساء أرمي لهذا التنين مكافأته( وجبة العشاء) و هي أيضاً مكافأة صبري وحسن إدارتي لإطعام هذا التنين والعناية به ، لكني قبل أيام ، عدت إلى منزلي بعد يوم شاق ، أرهقني التعب و غلبني الجوع وتوقفت حركتي حين ارتميت على كرسي مائدتي ، هناك جلست وقد خفضت رأسي من شدة التعب ، ثم رفعته لأرمق صحناً من الخضار المقشّر و سلطة بالزيت والخل  و قدرٌ من حساءٍ ساخن  ، وبلا شعور تجاوزتهم ومددت يدي إلى طبق الدجاج لآكله على طريقة العصر الحجري ، فعقلي الذي قد علمته أن يبدأ بالسلطة قد أطفئته غريزة الجوع ، واستلم زمامه التنين الغضبان ، وبعد أن رميت له هذه القطعة ، توقّف عن نفخ ناره وعدت استلمت دفة القيادة ، فسكبت بعضا من السلطة لأكمل  بها و رفعت رأسي ، ووجدت أبنائي لم يبدؤوا بعد ، فقلت بديكتاتورية : لا تتحولوا عن السلطة وصحن الخضار حتى أأذن لكم  ، و بدافع إرضائي أولأنهم لاحضوا إرهاقي لم يحاولوا  المخالفة ، وحينما رأيتهم يأكلون  قلت لهم لأغير أجواء الجدية ، هل تذكرون قبل سنين ؟ ، لقد كنتم تأكلونه وتشعرون بطعم القاذورات بافواهكم ، فضحكوا ، واليوم أنتم تأكلون السلطة وتقولون أنها ليست كريهة ، هزّ أبنائي رأسهم وقالوا نعم ، فقلت سيأتي يوم ستتلذذون بها ، لن نسمح بعقولنا أن تسيطر علينا,  نحن من يسيطر عليها.
 واليوم وأنا أكتب مقالي عرفت ما قد ألهمني هذه العبارة ، فقد مررت سابقاً على إحدى الدراسات اللتي تبحث في منطقة دماعية اسمها "Relax Zone " أو مكان الراحة  وهذه المنطقة هي مركز موجود في الدماغ ،  تقول الدراسة إنه بمراقبة تصرفات عدد من الأشخاص وتحديد الدوافع لأفعالهم ، تبيّن أن ٩٥٪ من تصرفاتهم يمكن ربطها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذه المنطقة ، فهؤلاء الأشخاص قد اختلفت مناطق الراحة لديهم وكلٌ منهم يحرص أن يذهب لما يحبه، فهذا يحب الصيد وذلك يحب رفقة الأصحاب والضحك ، وذلك يشرب الخمر وذلك مدمنٌ للأسفار  ، ووجدت الدراسة أن تصرفاتهم أما أن تكون ترتيباً مباشراً ليكونوا في منطقة راحتهم في المستقبل ، أو أنهم يرفعون العوائق اللتي تمنعهم من الوصول إليها ، مثل جمع المال لها ، والقيام بالمسؤوليات اللتي على عاتقهم ليشعروا براحة البال ، إن كانوا ضمن هذه المنطقة ، وفقط ٥٪ من تصرفاتهم لا يمكن ربطها بمنطقة الراحة ، والمقصد من ذكرها هو أننا يوماً ما  قد حددنا مناطق الراحة لدينا ، لكن هذه المنطقة ستحدد ما نفعله طوال أعمارنا وتصرفاتنا ، فهل نقبل أن تسيطر علينا عقولنا ونحاول أن نبقى نكرر متعة نحن خلقناها لأنفسنا ، أم نتدخّل لنغيرها ؟
وقبل أيام علمت بدراسة أخرى حول " علم النفس في تغيير السلوك " أظهرت الدراسة أن فارق بسيط قد يحوّل الإنسان من سمين إلى نحيف  ، وهذا الفارق هو الحزم في التعامل مع الأفكار والنفس ، حيث  أن من يتناول  كميات أكبر هو الشخص الذي  يقول لنفسه دائماً "هذه آخر لقمة "، بينما الآخر يقول في نفسه " لقد إنتهيت ، سأتوقّف " ، كما تبيّن أن الحزم في التوقّف عن الطعام يساعدنا أن تكون إرادتنا أقوى بينما من يتساهل تضعف إرادته فيتساهل أكثر وهذا ينطبق على من يدمنون الجنس والخمر والمخدّرات .
لكن الموازنة بين ما يمتعنا وبين ما ينفعنا أمر محيّر ومعقد ، فالمتع لن ترفعنا في سلم البشرية ، بل هي كفيلة  بتحويلنا إلى  حيوانات بشريّة ، تكرر غرائزها و محصلة حياة الكثير من البشر ستتحول الى  تكرار لمتع يحبّها ، وإذا ما حسبنا ماذا ستضيف هذه المتع لنا ولقيمتنا ومستقبلنا ، ولا أعلم أحد رفعته متعٌ كان يفعلها ، بل هو العلم والأخلاق ، ومثل من يبقى مع ما يمتعه ويكرره بلا شعور ،  كمثل شخصٍ أعطي كوبون مجاني للتسوّق ينتهي بنهاية يومٍ معين - وهذه هي أعمارنا - وبقي في  السوق  يتسوّق  ( متعنا ) حتى طرد من السوق  ولم يحاسب ( دفع الحساب هو ما ينفعنا )  فبماذا سيخرج منه ؟ أو كمثل شخصٍ دفع رسوم الدخول لحديقة بها نهر وحيوانات أليفة  ومروج ،فأعجبته زهرة عند الباب فانخفض يشتمّها ، وبقي على بطنه حتى أغلقت ولم يحضى بما تبقى منها فالحياة بها الكثير من المتع لن نعلمها أن لم نبحث عنها ونتعلمها 
-------------------------------------------
 (  لاأدعو هنا لهجر المتع فهي ضمان استمرارنا أحياء وتبقى الحياة جميلة في عيوننا ولكنها دعوة للموازنة بين ما يمتع  وبين ما ينفع ، أو هي دعوة لاستبدال بعض متع اليوم مع متع ستمتعنا بالغد لكنّها لاتمتع اليوم   )

No comments:

Post a Comment