Thursday, January 7, 2016

الغفلة عند العثرة

فواصل الغفلة عند العثرة

عبدالله عبداللطيف الإبراهيم
نشر في : 06/01/2016 12:00 AM
وضعت الأم طعام العشاء وقرّبت الخبز المحمّص، ومد الأب يده إلى قطعة الخبز وابتسم لزوجته، ثم سأل ابنه عن دراسته، متجاهلاً الخبز شبه المحترق، وحين نهض الولد عن طاولة الطعام، سمع أمه تعتذر لأبيه عن حرقها الخبز وهي تحمّصه، أجابها أبوه، قائلاً: حبيبتي لا تكترثي لذلك، يعجبني طعم الاحتراق في الخبز، وحين آوى الولد الى فراشه، سأل والده إن كان حقا يحب تناول الخبز محترقاً، فضمه والده إلى صدره، وقال: يا بني، إن أمك كان عملها شاقّاً، وخبزة محترقة يجب ألا تكسر قلباً جميلاً!
سبق أن وردت إليّ تلك القصة من صديق، فأعدت إرسالها الى بعض الأصحاب، وتساءل اثنان منهم السؤال ذاته: أين نجد البشر الذين يعذروننا؟! فأجبتهم، ممازحاً: نجدهم في وسائل التواصل فقط، فبين الأزواج قد يتعذّر التغافل بسبب الكثرة والتكرار، والاحتكاك والتعامل اليومي لا بد أن ينتج عنه تقصير، وستتعاظم الخلافات بينهم، إن لم يفرّقوا بين الخطأ الناتج عن خدمة بعضهم لبعض، والخطأ الناتج عن إهمال بعضهم لبعض، فحرق الخبز ناتج عن خدمة أحدهما الآخر، والعذر والتغافل واجب، أما إهمال الزوج أو الزوجة واجباتهما، فالحوار هو الحل، والتغافل سيفاقم المشكلة.
حين يزعجنا شخص عادةً ما نظهر التسامح والعذر، لكن تكرار الخطأ يستهلك «هامش التسامح» وتصبح الزلة الصغيرة شديدة الأذى للآخر، ليس بسبب كبر حجمها، بل لأننا نظن أن صبرنا نفد، فبعد سنين من عدم التفاهم بين الزوجين، سيصبحان أقل تسامحاً ويتحولان إلى لعبة الاتهام والتقصير، فرغبة تغيير الآخر هي الدافع وراء توجيه الاتهامات، والرغبة في التنفيس عن الانزعاج، لكن تلك الرغبة في تغيير الآخر لا تقدّم حلاً، بل تقدم ضمان استمرار المشكلة، والدوران في دائرة الشر المغلقة من دون نتيجة لأي منهما، فالكل خسران، ولا يربح سوى الشيطان، والحل هو في استخدام المنطق والتفكير في مبادرة خالية من الكلمات والعبارات التي فيها الاتهام أو اللوم.
يقول البروفيسور دالتون كيهو في كتابه مهارات التواصل المؤثرة: «لا تستخدم كلمات الاستفسار «ل.مَ» أو «كيف» في التواصل مع أي شخص، سترسله بعيداً، حيث كان أبواه يعاتبانه على تقصيره»، ويقترح البروفيسور في كتابه، الذي لم يترجم بعد، «أطنان» الأدوات التي تساعدنا في التواصل مع الآخرين بعيداً عن الاستفسار الذي فيه العتب والملامة، فالحب لا يجتمع مع تصيّد العثرات وتسجيل الهفوات، فالمحب يتغاضى ويتغافل.
التغافل لا يعني تجاهل الإشارات والكلمات وعدم الرد عليها، فهذا ابتعاد عن المشاركة، وهو رسالة واضحة للآخر «أنت لا تعني لي شيئاً»، فالباحثون وجدوا أن الأزواج المنفصلين يتجاهلون %80 من إشارات شركائهم السابقين، بينما لا تتجاوز تلك النسبة %19 بين الأزواج السعيدين، يقول البروفيسور السابق ذاته في الكتاب نفسه «نظن أن الكلمات هي التي بها التأثير في الآخرين، والصحيح أنّ الإنصات اليهم هو المؤثر».

No comments:

Post a Comment