Tuesday, January 26, 2016

توسكاني

جريدة القبس :: نشر في : 30/10/2014 12
  أصاب شكسبير باختياره الريف الإيطالي مسرحاً لقصته الشهيرة «روميو وجوليات»، التي أغرقنا فيها بالرومانسية، فكم هذا الأقليم هو جميل بفصوله الأربعة! فمتوسط حرارة الجو في أشد الفصول سخونة، 25 درجة مئوية، ومتوسط الحرارة في أشد الفصول برودة هي 6 درجات، ويمكنك أن تتصوّر، كم هو الجو معتدل باقي الأيام وطوال السنة! وفي فصل الخريف، قررت زيارة ريف توسكاني الإيطالي، صحيح أنني لا أكترث كثيرا بزيارة المتاحف التي تملؤها أعمال أبطال هذا الريف، من ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، إلا أنني اكترث كثيرا بالجلوس على ضفة نهر «فلوم آمو» ومشاهدة أشجار الصنوبر والسرو الطويلة، وكذلك اشجار البلوط المعمّرة التي قد تصل إحداها الى عمر ألف سنة، وتكتمل سعادتي هناك بمشاهدة هضاب توسكاني الخضراء، التي تملأها المنازل المتناثرة، وفي الصباح الباكر أرقب من يهرول على ضفة ذلك النهر الرائع، بينما أرتشف القهوة الإيطالية التي لا يمكن لها أن تُغلب، بينما أكتب مقالي هذا. في أول يوم وصلت فيه إلى الفندق، لم يكن لي خياري المفضّل لأبحث عن المطاعم القريبة ممكنا لوصولي متأخرا ليلا، فاضطررت الى ان أتعشى في الفندق، وأدفع مبلغاً مالياً فيه، لكن مهارة هذا الطاهي جعلت عشائي في الفندق طيلة إقامتي. أشرف على خدمتي شاب عربي من تونس لم يتجاوز الثلاثين من عمره، دردش معي ومع صديقي، وأخبرنا بأنه قريب من الارتباط بزوجة إيطالية، ولأني أعرف المجتمع الإيطالي قليلا، سألته اذا كان يسمح لي ان اسأله إن كان يصلي، فأجاب انه يصلي يوم الجمعة فقط، فأخبرته بأنه إن تزوّج تلك الايطالية فإنه سيتحلل من دينه، كما تحلل كثير من المسلمين الصومال في المجتمع الايطالي، وكثير من ابنائهم تنصّروا وذابوا في المجتمع الايطالي، كما تذوب حبة الملح في الماء. في اليوم التالي، جاء الى طاولتي يحييني كما انه يعرفني منذ سنين، وتحدّث معي عن أوضاع المسلمين والتطرف، وتبين لي من حديثه انه بدأ يشك في دينه، لما يقوم به غلاة المسلمين اليوم من القتل باسم الدين، وطال الحوار قليلا فاستوقفته، سائلاً: إذا ما جاءك زميلك وأخبرك أنك طردت من عملك، فهل ستترك عملك، ام انك ستنتظر رئيسك ليخبرك الخبر؟ فأجاب: لن أترك عملي إلا اذا اخبرني رئيسي، وهنا أوضحت له اننا نتشكك في ديننا لأن هناك اناساً كل يوم يشككوننا في الثابت من تسامح ديننا، كيف لنا أن نصدّق الشكوك في عدالة الدين الاسلامي، بينما الثابت من ديننا أنه لا يمكن أن يُظلم فيه أحد، ولا يقتل فيه ذمّي ولا كتابي؟! انفرجت أساريره بسبب رجوع ثقته بدينه، وقال لي: ادعُ لي بالهداية. قلت له: لا يوجد احد لا يذنب، لكننا نسترها، عسى الله ان يسترها لنا، استعن بما تستطيع على ما لا تستطيع، تستطيع أن تفرش سجادتك كل صلاة، وتصلي فرضك حتى تنهاك صلاتك عن ذنوبك.


 عبدالله عبداللطيف الإبراهيم

No comments:

Post a Comment